أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ
فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ
وَفِي الْبَيْعِ وَالْإِحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ ... وَالرَّضَاعِ وَخُلْعٍ وَالنِّكَاحِ وَحِلِّهِ
وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضَارِّ بِأَهْلِهِ
فَقَدْ كَمُلَتْ عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ
وَزَادَهَا وَلَدُهُ سِتَّةً نَظَمَهَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
وَمِنْهَا هِبَاتٌ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ
وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا إبَاقٌ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ
أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... وَأَتْبَعْتُهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ
وَزَادَ ابْنُ هَارُونَ أَرْبَعَةً فَقَالَ:
وَفِي الْيُسْرِ وَالْإِعْسَارِ سَمْعٌ مُقَرَّرٌ ... وَفِي الْأَسْرِ يُرْوَى مَنْ يَقُومُ لِنَقْلِهِ
أَبُو الْحَسَنِ الْبَلْخِيُّ يُقْسِمُ قَاتِلًا ... وُلَاةَ قَتِيلٍ بِالسَّمَاعِ بِقَتْلِهِ
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُهَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ.
[الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَة]
الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِمَعْرِفَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ وَوَقْتِهَا، وَكَيْفِيَّةِ الْإِشْهَادِ مِنْ الْأَصْلِ، وَكَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْفَرْعِ. أَمَّا جَوَازُهَا ثَابِتٌ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْفُرُوعِ الْعِلْمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ؛ لِاحْتِمَالِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا وَقْتُهَا فَحَالَةُ الْعَجْزِ عَنْ شَهَادَةِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَرِيضًا أَوْ عَلَى مَسِيرَةِ سَفَرٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً تُمْكِنُ تُهْمَةً، وَأَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا بِجِنْسِهِ مِنْ الشُّهُودِ، فَلَا يَتَحَمَّلُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَذَلِكَ بِالْمَرَضِ أَوْ بِالسَّفَرِ، وَأَقَلُّ مُدَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ شَهَادَةَ الْفَرْعِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي مَوْضِعٍ لَوْ غَدَا إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيتَ بِأَهْلِهِ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِشْهَادِ مِنْ الْأَصْلِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِينَ: وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولَ الْأَصْلُ: اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ، أَوْ اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَشَهِدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ تَوْكِيلٌ وَتَحْمِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الشَّهَادَةِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ النَّقْلِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّحَمُّلِ، وَالتَّحْمِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْأَمْرِ، وَلِهَذَا لَوْ نَهَى الْأُصُولُ الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْأَمْرِ عُمِلَ بِالنَّهْيِ.
(فَرْعٌ) :
لَوْ قَالَ اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي فَسَمِعَهَا رَجُلٌ آخَرُ، لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ، لِأَنَّ التَّحَمُّلَ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ قَوْمًا عَلَى قَضِيَّةٍ فَسَمِعَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُ وَسِعَ لِلسَّامِعِينَ أَنْ يَشْهَدُوا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِكَذَا، أَوْ قَالَ أُشْهِدُكُمْ فَاشْهَدُوا، أَوْ فَاشْهَدُوا بِشَهَادَتِي لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ