للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الْبَابُ الْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِكَلِمَاتِ الْكُفْرِ]

مَسْأَلَةٌ) :

الْجَاهِلُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا كُفْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ كُفْرًا وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ كَافِرًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إنَّ مَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا كُفْرٌ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ يُكَفَّرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يُكَفَّرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إنَّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ يُكَفَّرُ فِي الْحَالِ، وَفِي النِّصَابِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَسْأَلَةُ الزَّكَاةِ.

وَلَوْ نَوَى أَنْ يُصَيِّرَ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ يَصِيرُ لِلْخِدْمَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.

الْمَسْأَلَةُ فِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ الْخَيْرَوَانِيِّ.

وَتَقْرِيرُ هَذَا مَعَ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْكُفْرَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ، أَمَّا الْإِسْلَامُ فَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ.

(فَرْعٌ) :

إنَّ مَنْ ضَحِكَ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ يُكَفَّرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّحِكُ ضَرُورِيًّا مُضْحِكًا، وَالْكَلَامُ فِي الضَّحِكِ مَعَ الرِّضَا بِالْكُفْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِنَا: لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا، وَمَا شَكَّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا؛ إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِشَكٍّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ أَهْلِ الْكُفْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا وَصَفَ اللَّهَ - تَعَالَى - بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ أَوْ أَنْكَرَ وَعْدَهُ أَوْ وَعِيدَهُ؛ يُكَفَّرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

رَجُلٌ قَالَ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا لَا أُومِنُ بِهِ، أَوْ قَالَ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ لَا أُصَلِّي، أَوْ قَالَ لَوْ كَانَتْ الْقِبْلَةُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لَا أُصَلِّي، هَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ.

وَلَوْ قَالَ: لَوْ بُعِثَ فُلَانٌ نَبِيًّا لَا نَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ لَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ عَنَى بِهِ فِي الْأَوَّلِينَ أَنْ لَا يَذْهَبَ عَلَى مُوجِبِ الْأَوَامِرِ لَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ عَنَى أَنْ لَا يَكُونَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا إنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ عَدَاوَتَهُ يُكَفَّرُ، وَلَوْ عَابَ نَبِيًّا يُكَفَّرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - يُكَفَّرُ إنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا مُؤْمِنًا أَوْ لَا لَا يُكَفَّرُ.

(فَرْعٌ) :

رَجُلٌ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِيِّ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَفَّرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفَّرُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الْبَرْدِ أَوْ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُعْطِيهِ اللَّبَنَ لَا يُكَفَّرُ، وَإِلَّا يُكَفَّرُ.

وَلَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ: إنْ فَعَلَ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى لَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ دَخَلَ لِلتِّجَارَةِ يُكَفَّرُ.

امْرَأَةٌ شَدَّتْ عَلَى وَسَطِهَا حَبْلًا، وَقَالَتْ: هَذَا زُنَّارٌ تُكَفَّرُ.

وَلَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ شِبْهَ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ مَعَ الْعِمَامَةِ، الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ.

وَلُبْسُ السَّوَادِ والسراغج وَتَعْلِيقُ الْعَائِرَةِ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ.

<<  <   >  >>