للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَمَّا سَمِعَ الْقَاضِي شِعْرَهُ وَتَبَيَّنَ أَدَبَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ وَمَضَى لِشَأْنِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَفِي الْأَقْضِيَةِ الْقَاضِي يَقْضِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِعِلْمِهِ بِأَنْ عَلِمَ فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي مِصْرِهِ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَ مَالَ فُلَانٍ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ.

وَفِي التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحُدُودِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ وَالْحُقُوقِ الْمُرَكَّبَةِ نَحْوَ حَدِّ الْقَذْفِ.

وَهُنَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَقْضِي بِعِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ بَعْدَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ قَاضٍ فِيهِ.

وَفِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهُوَ: مَا إذَا عَلِمَ قَبْلَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ قَاضٍ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ عُزِلَ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى الْقَضَاءِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ يَقْضِي.

(فَرْعٌ) :

ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ: لَوْ خَرَجَ الْقَاضِي مِنْ الْمِصْرِ لِتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ أَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَتِهِ فَعَلِمَ بِسَبَبِ الْحَقِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

قِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى يَقْضِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَالِيَ إذَا قَلَّدَ رَجُلًا قَضَاءَ كُورَةِ كَذَا، لَا يَصِيرُ قَاضِيًا فِي سَوَادِ تِلْكَ الْكُورَةِ مَا لَمْ يُقَلَّدْ قَضَاءَ تِلْكَ الْكُورَةِ وَنَوَاحِيهَا.

وَقِيلَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ مُقَلَّدًا عَلَى الْقُرَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

الْقَاضِي هَلْ يَعْمَلُ بِمَا يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ؟ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِتِلْكَ الْحَادِثَةِ يَقْضِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَا يَقْضِي، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي.

وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِمَا يَجِدُ فِي دِيوَانِ قَاضٍ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَخْتُومًا مِنْ الْخُلَاصَةِ

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ دَفَعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ إلَى آخَرَ فَجَحَدَهُ قَضَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ.

وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إذَا أَعْلَمَهُ حَالَةَ الْقَضَاءِ.

وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي مَالًا لِمَيِّتٍ فَعُهْدَتُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ. وَلَوْ جَحَدَ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ بَاعَ قَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ لَمَّا لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ صَارَ كَالْمُعِيرِ لِمَالِهِ. مِنْ الْمُحِيطِ.

[الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الْقَضَاءِ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

فِي الْقَضَاءِ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.

الصُّلْحُ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] ، وَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَائِزٌ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» أَيْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهُ فَهَذَا صُلْحٌ حَرَّمَ حَلَالًا فَكَانَ مَرْدُودًا؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ، وَالْمُنَازَعَةُ مَتَى امْتَدَّتْ أَدَّتْ إلَى الْفَسَادِ فَكَانَ الصُّلْحُ دَفْعًا لِسَبَبِ الْفَسَادِ، وَإِطْفَاءً لِثَائِرَةِ الْفِتَنِ وَالْعِنَادِ، وَشَقِيقًا لِسَبَبِ الْإِصْلَاحِ وَالسَّدَادِ، وَهُوَ الْأُلْفَةُ وَالْمُوَافَقَةُ فَكَانَ حَسَنًا مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا، وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ.

وَشَرَائِطُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ بِأَنْ صَالَحَ عَلَى مَالٍ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَمَتَى كَانَ الْبَدَلُ مَجْهُولًا تَقَعْ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَالًا، كَالْقِصَاصِ مَعْلُومًا كَانَ أَوْ مَجْهُولًا، وَأَنْ لَا يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ

<<  <   >  >>