للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ بِالْقَبْضِ، وَلِهَذَا إذَا أَحْضَرَهُ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ، وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ فِي مَرَضِهِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَأَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قُتِلَ عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَالٍ، وَهَذَا بَذْلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

(فَرْعٌ) :

وَلَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ بِدَيْنٍ مِنْ مَهْرِهَا فِي مَرَضِهِ صُرِفَ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ هَذَا الْأَلْفُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ مَاتَتْ قَسَّمَ الْأَلْفَ بَيْنَ غُرَمَائِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا فَجَازَ إقْرَارُهَا لَهُ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَأَقَرَّتْ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ صَحَّ الْإِقْرَارُ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمَّا انْقَضَتْ صَارَ الزَّوْجُ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا، وَلَوْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى مَاتَتْ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فَأَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ فَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفُوا بِالِاسْتِيفَاءِ، وَمِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ مَاتَتْ وَالنِّكَاحُ بَاقٍ فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَصَارَتْ مُقِرَّةً بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْوَارِثِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا جَعَلَا هَذَا طَرِيقًا لِتَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ، وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهَا فِي حَقِّ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْأَقَلِّ، وَلَا يَصِحُّ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الْإِيضَاحِ وَمِنْ شَرْحِ التَّجْرِيدِ.

(فَصْلٌ) :

ذَكَرَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةَ أَقَارِيرَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْمَرِيضِ: إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لِوَارِثِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ وَارِثِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرٍ مَضْمُونٍ عَلَى وَارِثِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَوَارِثُهُ كَفِيلٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَمَّا يَنْفَعُ وَارِثَهُ.

وَهَذِهِ الْأَقَارِيرُ تَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا إسْقَاطُ الدَّيْنِ وَفِي بَعْضِهَا إبْرَاءٌ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ كِتَابَةِ عَبْدٍ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا، وَاثْنَانِ مِنْ أَقَارِيرِهِ لَا تَجُوزُ فِي الْحَالِ وَتَنْفُذُ فِي الْمَآلِ: أَحَدُهُمَا إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ.

وَالثَّانِي إقْرَارُهُ لِعَبْدِ وَارِثِهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي تَعْقُبُهُ الصِّحَّةُ كَلَا مَرَضٍ؛ وَلِأَنَّ بِالصِّحَّةِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ مَوْتٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ أَقَارِيرِهِ لَا تَجُوزُ فِي الْحَالِ وَلَا تَنْفُذُ فِي الْمَآلِ إذَا أَقَرَّ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ.

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ وَقَعَ لِابْنِهِ فَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَارِثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِلْأَجْنَبِيِّ.

وَالثَّانِي إذَا أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ.

وَالثَّالِثُ إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ.

وَالرَّابِعُ إذَا أَقَرَّ لِأَخِيهِ بِدَيْنٍ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَاقِعٌ لِلْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ حَالَةَ الْإِقْرَارِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ قَائِمٌ وَهِيَ الْبُنُوَّةُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. اُنْظُرْ شَرْحَ التَّجْرِيدِ.

[الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ]

فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩] الْآيَةَ. وَالْعَادَةُ غَلَبَةُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي عَلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ أَوْ بَعْضِهَا.

وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ مُخْتَلِفٌ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَ اخْتِلَافِ السِّكَكِ، جَرَتْ عَادَةٌ بِالتَّبَايُعِ بِسِكَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْهَا لَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَقُضِيَ بِدَفْعِ تِلْكَ السِّكَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ

<<  <   >  >>