للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقَضَاءِ.

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ خَاتَمَهُ لِإِحْضَارِ الْخَصْمِ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ.

وَيَبْعَثُ مَنْ يُحْضِرُهُ إنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَالْقُضَاةُ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَإِنَّهُمْ يَبْعَثُونَ الرَّاجِلَ فِي الْمِصْرِ وَيَدْفَعُونَ الْعَلَامَةَ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَبَعْضُ الْقُضَاةِ يَخْتَارُونَ فِي الْعَلَامَةِ دَفْعَ الْخَاتَمِ وَبَعْضُهُمْ دَفْعَ الطِّينَةِ وَبَعْضُهُمْ دَفْعَ قِطْعَةِ قِرْطَاسٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ الْمِصْرِ، وَالْمُدَّعِي يَلْحَقُهُ مُؤْنَةُ الرَّاجِلِ وَيُرِيدُ أَنْ يَتَحَمَّلَ تِلْكَ الْمُؤْنَةَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَقُلْنَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَبْذُلُ لَهُ عَلَامَةً لِيَذْهَبَ بِهِ فَيُرِيَهُ خَصْمَهُ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَابَ الْخَصْمُ وَحَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا بَعَثَ الْقَاضِي إلَيْهِ مَنْ يُحْضِرُهُ.

وَمُؤْنَةُ الشَّخْصِ تَقَدَّمَتْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَمِنْهَا أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ مَا ذَكَرْنَا فَمَا دُونِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ عَلَيْهِ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا يُجِبْ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَدْعُوَهُ الْخَصْمُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ وَخَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ، وَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ وَمِنْهَا: النَّفَقَاتُ فَيَجِبُ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا إنْ كَانَتْ لِلْأَقَارِبِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ.

[فَصْلٌ امْتِنَاعُ الْخَصْمُ مِنْ الْحُضُورِ]

(فَصْلٌ) :

فَإِذَا امْتَنَعَ الْخَصْمُ مِنْ الْحُضُورِ عَزَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِيمَا صَنَعَ فَاسْتَوْجَبَ التَّعْزِيرَ فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي إمَّا بِالضَّرْبِ أَوْ بِالصَّفْعِ أَوْ بِالْحَبْسِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، أَوْ يَعْبِسُ فِي وَجْهِهِ فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي عَلَى مَا يَرَاهُ تَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا، وَكَذَلِكَ إذَا سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي أَحْضُرُ أَوْ لَا أَحْضُرُ. إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ يَكُونُ امْتِنَاعًا عَمَّا دُعِيَ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْإِجَابَةُ]

(فَصْلٌ) :

وَفِيمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْإِجَابَةِ وَعَدَمِهَا فَمِنْهَا: إذَا دَعَاهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ.

وَمِنْهَا: مَتَى عَلِمَ الْخَصْمُ إعْسَارَ خَصْمِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ.

وَمِنْهَا: إذَا دَعَاهُ خَصْمُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِجَوْرٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَتَحْرُمُ الْإِجَابَةُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَمِنْهَا: إذَا كَانَ الْحَقُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْحَاكِمِ كَتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ فَإِنَّ الزَّوْجَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا.

وَمِنْهَا: الْقِسْمَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ فَيَتَخَيَّرُ الْمَطْلُوبُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ.

(تَنْبِيهٌ) :

مَتَى طُولِبَ بِحَقٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِخَصْمِهِ: لَا أَدْفَعُهُ لَكَ إلَّا بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ؛ وَالْوُقُوفَ عَلَى الْحُكَّامِ صَعَّبَ مِنْ الْقَوَاعِدِ.

[الْبَابُ التَّاسِعُ الْقَضَاءِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي الْيَدِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ]

فِي الْقَضَاءِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي الْيَدِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَفِي تَارِيخِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا وَبَرْهَنَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَا مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ إرْثًا أَوْ شِرَاءً.

وَكُلُّ قِسْمٍ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ ثَالِثٍ، أَوْ فِي يَدِهِمَا، أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُؤَرِّخَا، أَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا، أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ، أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ.

<<  <   >  >>