للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ تُهْمَةً فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ، هَذَا حُكْمُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي.

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الظَّالِمِ مَالَ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُصَادَرَةِ]

(فَصْلٌ) :

فِي بَيْعِ الظَّالِمِ مَالَ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُصَادَرَةِ

قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْعُمَّالِ يُوَلَّوْنَ بِطَلَبٍ مِنْهُمْ أَوْ كُرْهٍ فَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَسِيرُونَ فِيهِمْ سِيرَةَ الظُّلْمِ ثُمَّ يُعْزَلُونَ عَنْ سُخْطٍ مِنْ الْوَالِي عَلَيْهِمْ فَيُرْهِقُهُمْ وَيُعَذِّبُهُمْ فِي غُرْمٍ يُغَرِّمُهُمْ انْتِقَامًا لِلَّهِ - تَعَالَى - مِنْهُمْ وَلْيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ أَخَذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ يُغَرِّمُهُمْ لِنَفْسِهِ عَلَى غَيْرِ مَجْرَى الْحَقِّ وَالْعَدَالَةِ فَيَلْجَئُونَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ، فَذَلِكَ مَاضٍ عَلَيْهِمْ سَائِغٌ لِمَنْ ابْتَاعَهُ.

قَالَ فِي التَّجْرِيدِ: إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي انْتَهَى؛ لِأَنَّ إغْرَامَهُمْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْحَقِّ لِلْوَالِي الَّذِي وَلَّاهُمْ، وَأَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ إلَى أَرْبَابِهِ، فَإِنْ احْتَبَسَ الْوَالِي ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ لِلرَّعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعِ أُولَئِكَ الْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ فِيمَا بَاعُوهُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إنَّمَا كُنَّا نَأْخُذُ ذَلِكَ لِمَنْ وَلَّانَا وَيُقَادُ مِنْهُمْ لِكُلِّ مَنْ جَلَدُوا أَوْ قَطَعُوا بِغَيْرِ حَقٍّ.

(فَرْعٌ) :

وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكُورَةَ وَالْبَلْدَةَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مَضْمُونٍ فِي مَالِهِ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَمَلَهُمْ فَلَهُ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ فَيَخْرُجُ فِي عَمَلِهِ عَلَى هَذَا فَيَأْخُذُ مَا شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ وَوَظَائِفَ وَعِلَلٍ وَبِدَعٍ وَأَشْيَاءَ قَدْ سَمَّوْهَا وَأُمُورٍ قَدْ جَرَوْا عَلَيْهَا، فَرُبَّمَا عَزَلَهُ الْوَالِي لِلْوَقْتِ الَّذِي تَقَبَّلَهُ إلَيْهِ فَيَعْجِزُ عَنْ تِلْكَ الْقُبَالَةِ، فَمَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَهُوَ مَاضٍ غَيْرُ مَرْدُودٍ، وَهُوَ أَقْبَحُ وَبَيْعُهُ أَجْوَزُ مِنْ الْأَوَّلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

السُّلْطَانُ إذَا صَادَرَ رَجُلًا فَقَالَ الْمَطْلُوبُ لِرَجُلٍ ادْفَعْ إلَيْهِ وَإِلَى أَعْوَانِهِ شَيْئًا عَنْ جِنَايَتِي فَدَفَعَ بِأَمْرِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ: يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا دَفَعَ بِدُونِ شَرْطِ الرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ كَالْآمِرِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَقَالَا: الْمُطَالَبَةُ الْحِسِّيَّةُ كَالشَّرْعِيَّةِ.

وَقَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: لَا يَرْجِعُ بِدُونِ شَرْطِ الرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَفِي النَّوَازِلِ: قَوْمٌ وَقَعَتْ لَهُمْ الْمُصَادَرَةُ فَأَمَرُوا رَجُلًا أَنْ يَسْتَقْرِضَ لَهُمْ مَالًا وَيُنْفِقَ فِي هَذِهِ الْمُؤْنَةِ فَفَعَلَ، فَالْمُقْرِضُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ؟ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ يَرْجِعُ، وَبِدُونِ الشَّرْطِ هَلْ يَرْجِعُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْوَصِيَّةِ.

[فَصْلٌ فِي الْجِنَايَاتِ]

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي الْقَتْلِ]

(فَصْلٌ) :

وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْعَقْلِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى النَّسَبِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْعِرْضِ وَجِنَايَةُ الْمُحَارِبِينَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْأَدْيَانِ.

وَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْخَوَارِجِ وَالرِّدَّةِ وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ الصَّحَابَةَ، وَحُكْمُ السَّاحِرِ وَعُقُوبَتُهُ وَالْخَنَّاقُ وَالزِّنْدِيقُ، وَحُكْمُ الْعَائِنِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.

وَيَجِبُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِلَاكَ الْوِلَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالرِّيَاسَةِ الْإِحْسَانُ وَالسِّيَاسَةُ وَالْعَدْلُ فَإِنَّ بِالْإِحْسَانِ يُسْتَعْبَدُ الْإِنْسَانُ وَيُرْفَعُ التَّبَاغُضُ وَالْعُدْوَانُ، وَبِالسِّيَاسَةِ تَنْزَجِرُ السُّفَهَاءُ عَنْ الطُّغْيَانِ، وَبِالْعَدْلِ يَسْتَقِيمُ الْمُلْكُ وَتَعْمُرُ الْبُلْدَانُ، فَكَانَ شَرْعُ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ مِنْ مُعْظَمِ مَعَاقِدِ الْأُمُورِ.

وَالْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي الْقَتْلِ.

وَالثَّانِي: فِي الْجِرَاحِ وَالْأَطْرَافِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ تُسَمَّى قَتْلًا، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ تُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا.

وَالْقَتْلُ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْعِبَادِ بِحَيْثُ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَزَوَالُ الْحَيَاةِ بِدُونِ فِعْلِ الْعِبَادِ يُسَمَّى مَوْتًا.

ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ مِنْ أَجَلِّ الْكَبَائِرِ وَأَخْبَثِهَا، وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ

<<  <   >  >>