للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حِكَايَةً عَنْ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ بِمِثْلِهِ يُرَدُّ، جَهْلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ صَارَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُ شَاهِدَةً وَطَبِيبَةً وَمُفْتِيَةً وَلَيْسَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا إنْ كَانَتْ طَبِيبَةً مَاهِرَةً فِي الطِّبِّ فَلْيَسْمَعْ مِنْهَا فِي قِدَمِهِ أَوْ حُدُوثِهِ.

وَأَمَّا أَنْ تَقُولَ هِيَ: يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ أَوْ لَا يَجِبُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَلَا تُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ إذْ ثَبَتَ الْعَيْبُ وَقِدَمُهُ بِشَهَادَةِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ أَنْ يَسْأَلَ تُجَّارَ الرَّقِيقِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ؟ فَإِذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ عَيْبٌ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا أَفْتَى الْفَقِيهُ حِينَئِذٍ بِالرَّدِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

[الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالتَّنَاقُضِ]

فِي الْقَضَاءِ بِالتَّنَاقُضِ وَفِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَالتَّنَاقُضِ فِي النَّسَبِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: التَّنَاقُضُ يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ كَمَا يَمْنَعُ لِنَفْسِهِ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَيْرِهِ، فَكَمَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِصَايَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَكِيلِ الْخُصُومَةِ أَنَّهُ سَبَقَتْ مِنْهُ مُسَاوَمَةٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ أَوْ اسْتِخْدَامٌ أَوْ نَحْوُهَا، عُزِلَ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَعَزَلَهُ وَالْمُوَكِّلُ عَلَى حَقِّهِ لَوْ شَرَطَ أَنَّ قَرَارَهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

الْكَرْخِيِّ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا أَوْ اسْتَعَارَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ يُقْبَلُ.

ذَكَرَ قَاضِي خَانُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِعَارَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَكُونُ الِاسْتِعَارَةُ إقْرَارًا بِأَنْ لَا مَلِكَ لِلْمُسْتَعِيرِ وَلَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِلْمُعِيرِ، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ يَمْنَعُ دَعْوَاهُ لِغَيْرِهِ.

بَيَانُهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَسْأَلَةُ الِاسْتِعَارَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَبْسُوطَ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ تُسْمَعُ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ، إذْ وَكِيلُ الْخُصُومَةِ قَدْ يُضِيفُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ، وَلَوْ ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ ثُمَّ لِنَفْسِهِ لَا يُسْمَعُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مِلْكُهُ لَا يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ فَيُمْكِنُ الْمُنَافَاةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ فِيهِ لَا يُسْمَعُ، إذْ وَكِيلُ الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ لَا يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ فَيُمْكِنُ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الدَّعْوَى عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: أَقَرَّ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ يُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مِلْكَ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.

قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْبَحْثِ: وَتَلْخِيصُهُ لَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ: لَيْسَ هَذَا لِي أَوْ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ مَا كَانَ لِي أَوْ نَحْوُهُ، وَلَا مُنَازِعَ ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدٌ، فَقَالَ ذُو الْيَدِ: هُوَ لِي، فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ هَذَا لَمْ يُثْبِتْ حَقًّا لِأَحَدٍ، إذْ الْإِقْرَارُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ، وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يَمْنَعُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أَحَدٍ، فَلَوْ كَانَ لِذِي الْيَدِ مُنَازِعٌ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ فِي رِوَايَةٍ، لَكِنَّ الْقَاضِي يَسْأَلُ ذَا الْيَدِ، أَهُوَ مِلْكُ الْمُدَّعِي؟ فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ أَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ؛ وَلَوْ أَنْكَرَ يُبَرْهِنُ الْمُدَّعِي وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ ذِي الْيَدِ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ لِي، أَوْ كَانَ لِي، يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدُ لِلتَّنَاقُضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَا الْيَدِ عَلَى مَا مَرَّ لِقِيَامِ الْيَدِ.

(فَصْلٌ) :

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: مَا لِي فِي يَدِ فُلَانٍ دَارٌ، وَلَا حَقُّ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى رُسْتَاقٍ وَلَا قَرْيَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ قِبَلَهُ حَقًّا بِالرَّمْيِ فِي قَرْيَةٍ، لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ - قَالَ الْمُدَّعِي: لَا بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ بَرْهَنَ، هَلْ يُقْبَلُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: يُقْبَلُ لَوْ وَقَّفَ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ قُبِلَ وَهُوَ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَقِيلَ لَا يَصِحُّ دَفْعُهُ وِفَاقًا، إذْ مَعْنَاهُ لَيْسَ لِي دَعْوَةُ الدَّفْعِ، وَمَنْ قَالَ: لَا دَعْوَى لِي قِبَلَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى، لَا تُسْمَعُ كَذَا هُنَا، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إذْ الدَّفْعُ يَحْصُلُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ لَا بِدَعْوَى الدَّفْعِ، فَقَوْلُهُ: لَا دَفْعَ لِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَا بَيِّنَةَ لِي.

<<  <   >  >>