للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَوْ عَمِيَ الْحِمَارُ أَوْ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ ثَمَنُهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَصِلْ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ، يَبْرَأُ، وَلَوْ أَمْكَنَ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَطِيعُ إمْسَاكَهُ أَوْ رَدَّهُ أَعْمَى، ضَمِنَ قِيمَتَهُ.

وَاقِعَةُ الْفَتْوَى: اسْتَأْجَرَهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ وَلَهُ آخَرُ فَسَقَطَ حِمَارُهُ فِي الطَّرِيقِ فَاشْتَغَلَ بِهِ فَذَهَبَ الْمُسْتَأْجَرُ وَهَلَكَ، فَلَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ اتَّبَعَ الْمُسْتَأْجِرَ لَهَلَكَ حِمَارُهُ أَوْ مَتَاعُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَمِينَ إنَّمَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ لَوْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِعُذْرٍ فَلَا يَضْمَنُ، حَتَّى أَنَّ الْبَقَرَةَ لَوْ نَدَّتْ مِنْ الْمَسْرَحِ وَتَرَكَ الْأَجِيرُ اتِّبَاعَهَا لِئَلَّا يَضِيعَ الْبَاقِي فَهَلَكَ الَّذِي نَدَّ يَبْرَأُ.

وَفِيهِ: لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ حِمَارَيْنِ فَاشْتَغَلَ بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا فَضَاعَ الْآخَرُ لَوْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ ضَمِنَ. قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَتْوَى لَوْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ، فَيَتَأَمَّلُ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ

[الْبَابُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِأَحْكَامِ السُّكُوتِ]

فِي الْقَضَاءِ بِأَحْكَامِ السُّكُوتِ. السُّكُوتُ رِضًا فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ اسْتِثْمَارِ الْوَلِيِّ قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَبَعْدَهُ هَذَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَ الْجَدُّ مَعَ قِيَامِ الْأَبِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا

وَمِنْهَا سُكُوتُهَا عِنْدَ قَبْضِ مَهْرِهَا لَوْ قَبَضَ الْمَهْرَ أَبُوهَا أَوْ مَنْ زَوَّجَهَا فَسَكَتَتْ يَكُونُ إذْنًا بِقَبْضِهِ، إلَّا أَنْ تَقُولَ: لَا تَقْبِضْهُ، فَإِذْنٌ لَمْ يَجُزْ الْقَبْضُ عَلَيْهَا وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ.

وَمِنْهَا سُكُوتُ الصَّبِيَّةِ إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا يَكُونُ رِضًا وَيَبْطُلُ خِيَارُ بُلُوغِهَا، لَا لَوْ بَلَغَتْ ثَيِّبًا.

وَمِنْهَا قَبْضُ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ سَاكِتٌ كَانَ إذْنًا بِقَبْضِهِ.

وَمِنْهَا إبْرَاءُ مَدْيُونِهِ فَسَكَتَ يَبْرَأُ وَلَوْ رُدَّ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ. وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ يَصِحُّ، وَلَوْ سَكَتَ الْمُقَرُّ لَهُ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ.

وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ، وَكَّلَهُ بِشَيْءٍ فَسَكَتَ الْوَكِيلُ وَبَاشَرَهُ صَحَّ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ قِنِّهِ فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ فَبَاعَهُ جَازَ وَيَكُونُ قَبُولًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ لِلْوِصَايَةِ. وَمِنْهَا أُسِرَ قِنٌّ لِمُسْلِمٍ فَوَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ وَقُسِمَ، وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَسَكَتَ بَطَلَ حَقُّهُ.

وَمِنْهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا فَرَأَى الْقِنَّ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ.

وَمِنْهَا لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِثَمَنِهِ، فَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَرَآهُ الْبَائِعُ وَسَكَتَ كَانَ إذْنًا فِي قَبْضِهِ، الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ فِيهِ سَوَاءٌ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ رِضًا بِقَبْضٍ فِي الْفَاسِدِ لَا فِي الصَّحِيحِ فِي رِوَايَةٍ.

وَمِنْهَا عِلْمُ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَسَكَتَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.

وَمِنْهَا رَأَى قِنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَسَكَتَ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لَا فِي تِلْكَ الْعَيْنِ، وَهَلْ يَحْنَثُ بِهِ فِي هِبَتِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ فِيهَا؟ يَحْنَثُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَمِنْهَا بَاعَ الْقِنُّ وَهُوَ حَاضِرٌ عَلِمَ بِهِ وَسَكَتَ، وَفِي رِوَايَةٍ فَانْقَادَ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ثُمَّ قَالَ أَنَا حُرٌّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنُ سِمَاعَةَ: وَسَكَتَ وَهُوَ يَعْقِلُ فَهُوَ إقْرَارٌ بِرِقِّهِ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ أَوْ دَفَعَهُ بِجِنَايَةٍ وَهُوَ سَاكِتٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ أَوْ عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ زَوَّجَهُ أَوْ سَاوَمَهُ، فَسُكُوتُهُ هُنَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِرِقِّهِ.

وَمِنْهَا السُّكُوتُ قَبْلَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ، حَتَّى لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ هَذَا الْعَبْدُ مَعِيبٌ فَسَمِعَهُ وَأَقْدَمَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى شِرَائِهِ فَهُوَ رِضًا بِالْعَيْبِ أَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ رِضًا وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا. وَمِنْهَا بَاعَ عَقَارًا وَامْرَأَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ فَسَكَتَ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ الْبَيْعِ، أَفْتَى مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِقْرَارِهِ دَلَالَةً قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ، وَأَفْتَى مَشَايِخُ بُخَارَى أَنَّهُ يُسْمَعُ، فَيَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ لِاشْتِهَارِ الْمُدَّعِي بِحِيلَةٍ وَتَلْبِيسٍ وَأَفْتَى بِهِ، كَانَ حَسَنًا سَدًّا لِبَابِ التَّزْوِيرِ.

<<  <   >  >>