للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْآيَةَ.

وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَدَارَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَرَدِّهَا عَلَى غَلَبَةِ الصِّدْقِ وَعَدَمِهِ قَالَ: وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ الْعَدَالَةَ تَتَبَعَّضُ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ عَدْلًا فِي شَيْءٍ فَاسِقًا فِي شَيْءٍ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ عَدْلٌ فَبِمَا شَهِدَ بِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ فِسْقُهُ فِي غَيْرِهِ، وَأَصْلُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي الْمُحِيطِ وَالْقِنْيَةِ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَشْرَبُ سِرًّا وَهُوَ ذُو مُرُوءَةٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

إذَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَيِّنَتَهُ عَلَى حَقِّ عَلَى رَجُلٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لِيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَالْقَاضِي يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ عَلَى حَقِّهِ الَّذِي يُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَى هَذَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَالشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانَ فِيهِ حَاجَةٌ مَاسَةٌ إلَى تَجْوِيزِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَجُعِلَتْ حُجَّةً لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: الْقَاضِي يَكْتُبُ عِنْدَ شَطْرِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ أَقَامَ رَجُلٌ عِنْدَ الْقَاضِي شَاهِدًا وَاحِدًا بِحَقٍّ لَهُ قَبْلَ رَجُلٍ، أَوْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَالْقَاضِي يَكْتُبُ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي إنَّمَا يَكْتُبُ عِنْدَ كَمَالِ النِّصَابِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ خَصْمِهِ وَشُهُودِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا وُجِدَ شَطْرُ الشَّهَادَةِ أَوْ نِصْفُ الشَّطْرِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا يَكُونُ بَعْضُ شُهُودِهِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَبَعْضُهُمْ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ فَيَجُوزُ الْكِتَابُ كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ كَمَالِ النِّصَابِ.

[فَصْلٌ عَلِمَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ]

(فَصْلٌ) :

وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَلِمَ شَيْئًا مِنْ إقْرَارِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ مَا، خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، فَسَأَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ، وَالْمَطْلُوبُ هُنَاكَ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ.

قِيلَ إنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ حَالَةَ الْقَضَاءِ يَكْتُبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِهَذَا الْعِلْمِ فَلَأَنْ يُمْكِنَهُ الْكِتَابُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكْتُبُ كَمَا لَا يَقْضِي، وَعِنْدَهُمَا يَكْتُبُ كَمَا يَقْضِي.

وَقِيلَ الْقَاضِي يَكْتُبُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَفَرَّقُوا لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ.

[فَصْلٌ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ]

(فَصْلٌ) :

وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ وَحِلْيَتَهُ وَيَنْسُبُهُ إلَى قَبِيلَتِهِ وَفَخْذِهِ أَوْ صِنَاعَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ، وَيَكْتُبُ اسْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ رَجُلَانِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ كَفَاءَةً، وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى فَخْذِهِ أَوْ إلَى تِجَارَةٍ أَوْ إلَى صِنَاعَةٍ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي التَّعْرِيفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَازِمًا.

وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ جَدِّهِ أَوْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَتِهِ، أَوْ إلَى صِنَاعَتِهِ وَتَرَكَ اسْمَ الْجَدِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَخْذِ رَجُلَانِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالتِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَحْصُلْ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَنْقَطِعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةَ أَنَّ فِي الْقَبِيلَةِ رَجُلًا آخَرَ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ.

فَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا يُقْضَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَكِتَابِ الْقَاضِي صَحَّ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِهَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ فُلَانٍ مُطْلَقًا، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، فَكَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الشَّهَادَةِ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْحَيَّ فَتَعَيَّنَ الْحَيُّ

<<  <   >  >>