للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلطَّالِبِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُطَالِبَهُ إلَّا بِرِضَاهُ. مِنْ الْمُحِيطِ وَمِنْ شَرْحِ التَّجْرِيدِ وَمِنْ الْإِيضَاحِ

[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْجَوَابِ عَنْ الدَّعْوَى]

فِي حُكْمِ الْجَوَابِ عَنْ الدَّعْوَى. وَإِذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاسْتَفْرَغَ الْقَاضِي كَلَامَ الْمُدَّعِي وَفَهِمَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ فِيهِ إشْكَالٌ وَلَا احْتِمَالٌ، أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا إقْرَارٌ، أَوْ إنْكَارٌ، أَوْ امْتِنَاعٌ.

الْأَوَّلُ: الْإِقْرَارُ.

فَإِذَا أَقَرَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَيِّدَ إقْرَارَهُ، فَإِذَا قَيَّدَهُ تَمَّ الْحُكْمُ، وَصِفَةُ تَقْيِيدِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ الْعَزِيزِ الْفُلَانِيِّ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِمُنَازَعَةِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ بِأَنَّ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ لَهُ مِنْ وَجْهِ كَذَا حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْجَوَابِ: الْإِنْكَارُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: مَا أَظُنُّ لَهُ عِنْدِي شَيْئًا ثُمَّ إذَا صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْقَائِمِ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ ، فَإِنْ أَتَى بِهَا وَقَبِلَهَا تَمَّ الْحُكْمُ، وَإِنْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي. يَقُولُ: لَكَ يَمِينُهُ.

وَأَصْلُهُ قَضِيَّةُ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ فَإِنَّهُمَا اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي مِنْهُمَا: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ لَيْسَ لَك غَيْرُ ذَلِكَ» . .

وَلَوْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ يَجْعَلُهُ الْقَاضِي مُنْكِرًا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ تُسْمَعُ، اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ.

الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْجَوَابِ: الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ.

مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسْتَحْلَفُ، وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ كَلَامَيْهِ تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا فَكَانَ سَاكِتًا وَالسُّكُوتُ يَكُونُ نُكُولًا حُكْمِيًّا فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النُّكُولِ الْحَقِيقِيِّ، كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّكُوتُ عَنْ آفَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ الْكَلَامِ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّمَا يُتَوَجَّهُ شَرْعًا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ فَلَا يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ فِي دَعْوَاهُ، وَإِمَّا أَنْ تُصَرِّحَ بِالْإِنْكَارِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ كَانَ جَانِيًا لِتَرْكِ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ فَيُؤَدِّبُهُ الْقَاضِي بِالْحَبْسِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَالْعَبْدُ وَادَّعَى الْبَائِعُ الثَّمَنَ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ مَا نَدْرِي مَا ثَمَنُهُ وَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا ثَمَنُهُ، قَالَ: حَبَسَهُمْ الْقَاضِي حَتَّى يُقِرُّوا بِشَيْءٍ وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَالِ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يُبَيِّنُوا مَا عَلَى أَبِيهِمْ مِنْ الثَّمَنِ، مِنْ الْمُحِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.

[الْقِسْمُ الْخَامِسُ الْيَمِينِ وَصِفَتِهَا وَالتَّغْلِيظِ فِيهَا]

فِي ذِكْرِ الْيَمِينِ وَصِفَتِهَا، وَالتَّغْلِيظِ فِيهَا، وَفِيمَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمَنْ لَا تَتَوَجَّهُ، وَمَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَحُكْمِ النُّكُولِ، وَبَيَانِ حُكْمِ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ. وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ وَلَا يُحَلِّفُهُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَحَلَّفَ بِهِ» وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَكَانَ التَّغْلِيظُ فِي الْيَمِينِ أَبْلَغَ وَأَكْمَلَ فِي الزَّجْرِ مِنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ لَمْ يَتَّهِمْهُ الْقَاضِي اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ يُغَلِّظُ فِي يَمِينِهِ.

وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْمِنْبَرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ

<<  <   >  >>