للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الطَّعْنِ وَالْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ]

فَصْلٌ) :

قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: عَدَّلَهُ وَاحِدٌ وَجَرَّحَهُ آخَرُ، أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ.

وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعَدَالَةَ وَالْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فَصَارَا سِيَّيْنِ، وَعِنْدَهُمَا الْجَرْحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمَا، وَتَرَجَّحَ الْجَرْحُ عَلَى التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ فِي الْجَرْحِ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعِيَانُ وَالْمُشَاهَدَةُ، فَإِنَّ سَبَبَ الْجَرْحِ ارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

جَرَّحَهُ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى عَدَّلَهُ جَمَاعَةٌ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْبَحْرِ إلَى الْهِنْدِ سَبَبُ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ وَسَكَنَ دَارَ الْحَرْبِ وَكَثُرَ سَوَادُهُمْ وَعَدَدُهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ لِيَنَالَ بِذَلِكَ مَالًا وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ غَنِيًّا، فَإِذَا كَانَ لَا يُبَالِي أَنْ يُخَاطِرَ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَيَشْهَدَ بِالزُّورِ، وَكَذَا التِّجَارَةُ فِي قُرَى فَارِسَ فَإِنَّهُمْ يُطْعِمُونَهُمْ الرِّبَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

(فَصْلٌ) :

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ، وَإِذَا نَابَتْ أَحَدَهُمْ نَائِبَةٌ أَتَى سَيِّدَ قَوْمِهِ فَشَهِدَ لَهُ سَيِّدُ قَوْمِهِ وَشَفَعَ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ بِالزُّورِ.

(فَصْلٌ) :

لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى جَرْحِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ جَرْحًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ قَالُوا إنَّهُمْ فَسَقُوا، أَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُدَّعِي الشُّهُودَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، أَوْ أَقَرَّ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِبَاطِلٍ وَزُورٍ، أَوْ أَقَرُّوا أَنَّ مَا يَدَّعِيه الْمُدَّعِي بِبَاطِلٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ كَانَ جَرْحًا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ آكِلُو رِبًا أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ أَوْ سُرَّاقٌ، أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ، أَوْ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ شُهُودَهُ شَهِدُوا بِزُورٍ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَالْحُجَجُ تُعْرَفُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ الْخَصْمُ: الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ وَقَالَا نَحْنُ حُرَّانِ، إنْ عَرَفَ الْقَاضِي حُرِّيَّتَهُمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا حَتَّى يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْأَصْلِ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا هَذَا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النَّاسُ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ: فِي الشَّهَادَةِ، وَالْحُدُودِ، وَالْقَتْلِ، وَالْقِصَاصِ. فَإِنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُرِّيَّتِهِمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا.

(فَصْلٌ) :

ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ لَمْ تَعْدِلْ شُهُودُ الْمُدَّعِي فَسَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَاضِيَ أَنْ يَقْضِيَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ حَتَّى لَا يَشْهَدُوا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ.

وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ إلَى هَذَا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ: إذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَنَا آتِي بِعَدْلَيْنِ يَعْدِلَانِ شُهُودِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُقْبَلُ ذَلِكَ. الْكُلُّ مِنْ الْمُحِيطِ.

[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يُحْدِثُهُ الشَّاهِدُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ فَتَبْطُلُ]

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ شَهِدَ وَلَيْسَ بِأَجِيرٍ ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْإِجَارَةِ ثُمَّ أَعَادَ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) : فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ: لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا، فَإِنْ أَعَادَهَا قَضَى بِهَا.

<<  <   >  >>