ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ، فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ، لَكِنْ يَجْعَلُ مَعَهَا امْرَأَةً ثِقَةً مَأْمُونَةً تَحْفَظُهَا وَتَمْنَعُ زَوْجَهَا مِنْهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهَا.
وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ، لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِمْ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الَّذِي وَكَّلَهُ، لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، فَإِذَا سُمِعَتْ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ وَيُتَوَقَّفُ، فِيهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ.
وَمِنْهَا مَا إذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الْإِصَابَةَ وَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَدَمَهَا، فَشَهِدَتْ النِّسَاءُ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ كَمَا فِي الْعِنِّينِ وَيُفَرَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ؛ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ.
وَمِنْهَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ، يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاضِرِ وَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ فَتُعَادُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُحِيطِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: ظَاهِرُ التَّصَوُّرِ.
النَّوْعُ السَّابِعُ: كَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ فَجَحَدَهَا أَصْلًا فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهَا فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ.
[فَصْل تَقْسِيم الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَعْوَى عَلَى الْحَاضِرِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهِ، وَدَعْوَى عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَدَعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَدَعْوَى فِي مَالِ الْيَتِيمِ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الدَّعْوَى عَلَى الْحَاضِرِ الرَّشِيدِ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الدَّعْوَى عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ.
لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى صَبِيٍّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَلَهُ وَصِيٌّ حَاضِرٌ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ، وَلَوْ وَجَبَ الدَّيْنُ بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ، وَلَوْ وَجَبَ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ كَإِتْلَافٍ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
اُدُّعِيَ عَلَى صَبِيٍّ حُجِرَ عَلَيْهِ مَالًا بِإِهْلَاكٍ أَوْ غَصْبٍ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَيَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، لَكِنْ يَحْضُرُ مَعَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ لِيُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا يَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُنَصَّبَ لَهُ وَصِيٌّ، يُنَصِّبُ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا لَكِنْ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ لِنَصْبِ الْوَصِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: حَضْرَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَ الدَّعْوَى شَرْطٌ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الرَّشِيدِيَّةِ، لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ لِنَصْبِ الْوَصِيِّ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا بِوُجُودِ الصَّبِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي وِلَايَتِهِ.
قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ عِنْدَ الدَّعْوَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
لَوْ شَهِدَا عَلَى قِنٍّ مَأْذُونٍ بِغَصْبٍ أَوْ بِإِتْلَافِ وَدِيعَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، أَوْ شَهِدَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَمَوْلَاهُ غَائِبٌ، يُقْبَلُ.
وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْمَأْذُونِ مَحْجُورًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ يُقْبَلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى، وَكَذَا فِي إتْلَافِ أَمَانَةٍ يُقْضَى عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَى الْقِنِّ لَا عَلَى مَوْلَاهُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَفِي الْإِقْرَارِ: لَا يُقْضَى عَلَى مَوْلَاهُ حَضَرَ أَوْ غَابَ.
وَفِي الْفَتَاوَى الرَّشِيدِيَّةِ: الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ وَصِيِّهِ.
وَكَذَا قِنٌّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ مَوْلَاهُ؛ إذْ يَدُ الْقِنِّ مُعْتَبَرَةٌ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ حَاضِرٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْحِيَلِ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ