للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَى مِثْلِ شَهَادَتِهِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ أَوْ مِنْ خِلَالِهِ، فَيَضُمُّ الشَّاهِدُ شَيْئًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَيَحْتَرِزُ عَنْ الْوَبَالِ وَلَا يُلْبَسُ عَلَى الْقَاضِي، وَالشَّهَادَةُ حُجَّةُ الْقَضَاءِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهَا.

وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ فَصِيحًا يُمْكِنُهُ بَيَانُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا غَيْرَ فَصِيحٍ يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ بِأَنْ قَالَ الثَّانِي أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ بِهِ هَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْلَا هَيْبَةُ الْمَجْلِسِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُغَيِّرَ الشَّهَادَةَ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى شَهَادَتِهِ عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَالْبِنَاءُ يَكُونُ كَالْمَبْنِيِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ أَحَسَّ الْقَاضِي بِخِيَانَةٍ مِنْ الشُّهُودِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَلَّفَ كُلَّ شَاهِدٍ أَنْ يُفَسِّرَ شَهَادَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُحِسَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِيَانَةِ لَا يُكَلِّفُ وَيَحْكُمُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا اتَّهَمَ الشُّهُودَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّهِمْ لَا يَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: هَذَا إذَا قَالَ الثَّانِي أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلُ، فَإِنْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى مِثْلِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ؛ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْحَقِّ؛ لِأَنَّ مِثْلَ قَدْ يَكُونُ صِلَةً؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] أَيْ لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ.

[فَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْمِيرَاثِ]

لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ شَرَائِطُ.

مِنْهَا: أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِهِ حَتَّى لَوْ قَالُوا إنَّهُ لِمُوَرِّثِهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِلْمَيِّتِ لِلْحَالِ وَهُوَ مُحَالٌ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ اتِّفَاقٌ فَتُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ، أَوْ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتْرُكُهُ مِيرَاثًا لِلْمُدَّعِي مَا بَقِيَ مِلْكًا لَهُ يَوْمَ الْمَوْتِ، أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا يَدُ مِلْكٍ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَيُّ يَدٍ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ أَوْ يَدَ أَمَانَةٍ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ إذَا مَاتَ مُجْهَلًا، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْيَدِ شَهَادَةً عَلَى الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ النَّقْلُ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ وَارِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ وَالْإِيدَاعَ إثْبَاتُ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إثْبَاتًا لِيَدِ الْمَيِّتِ عِنْدَ الْمَوْتِ التَّنْصِيصُ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى الْوَارِثِ.

وَلَوْ شَهِدَ وَالرَّجُلُ حَيٌّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدَيْهِ مُنْذُ أَشْهُرٍ لَمْ تُقْبَلْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ.

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ: لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِجَدِّهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَمْ يَقْضِ لَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُ جَدِّهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَقْضِي لِلْجَدِّ وَأَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يُصَحِّحُوا وِرَاثَةَ الْجَدِّ.

وَمِنْهَا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُكَلِّفُ الشُّهُودَ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْبَتَاتِ.

وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ بِأَرْضِ كَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

رَجُلٌ مَاتَ فَأَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ وَوَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنُهُ وَارِثًا، فَإِنْ أَقَامَ آخِرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَوَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَالْمِيرَاثُ لَهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ وَابْنُ عَمٍّ أَيْضًا.

وَلَوْ أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَنَسَبَهُ إلَى أَبٍ غَيْرِ الْأَبِ

<<  <   >  >>