للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَفِي غَيْرِ الْمُصَنَّفِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ.

فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي سِجْنٍ مُتَّخَذٍ لِذَلِكَ.

وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِجْنٌ، وَأَنَّهُ سَجَنَ الْحُطَيْئَةَ عَلَى الْهَجْوِ، وَسَجَنَ صَبِيغًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ وَشِبْهِهِنَّ.

وَضَرَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَنَفَاهُ إلَى الْعِرَاقِ، وَقِيلَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ.

قَالَ الْمُحَدِّثُ: فَلَوْ جَاءَنَا وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ.

ثُمَّ كَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ.

وَسَجَنَ عُثْمَانُ صَابِئَ بْنَ الْحَارِثِ وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَفَتَّاكِيهِمْ حَتَّى مَاتَ فِي السِّجْنِ.

وَسَجَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْكُوفَةِ وَسَجَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَمَّا كَانَ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ مِنْ جِنْسِ الْحَبْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْوِيقِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَصَالِحِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَطْلُبُ الْغَرِيمَ لِلْمُدَّعِي بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ فَيَحْصُلُ لِلْغَرِيمِ تَعْوِيقٌ عَنْ مَصَالِحِهِ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ فَقَدْ يَكُونُ الْحَاكِمُ غَيْرَ جَالِسٍ لِلْخُصُومِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا عَنْهُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَزَالُ مُعَوَّقًا حَتَّى يَتَفَرَّغَ الْقَاضِي لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ.

[فَصْلٌ حَبْسُ الْمَدْيُونِ]

(فَصْلٌ) :

وَفِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: يُحْبَسُ بِدَانَقٍ وَيُحْبَسُ فِي كُلِّ دَيْنٍ مَا خَلَا دَيْنَ الْوَلَدِ عَلَى أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْجَدَّةِ، عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِدَيْنِ الْمَوْلَى، وَالْمَوْلَى يُحْبَسُ بِدَيْنِهِمَا، هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا، وَفِي الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ ظَفَرَ الْمَوْلَى بِجِنْسِ حَقِّهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

الْكَفِيلُ إذَا حُبِسَ يُحْبَسُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، وَإِذَا لَازَمَهُ الطَّالِبُ فَهُوَ يُلَازِمُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَأْخُذُ الْمَالَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ الْكَفِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَكَذَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ وَكَفِيلُ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا، وَيُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي مُدَّةِ التَّزْكِيَةِ.

وَفِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا هَلْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْرَأَ؟ إنْ كَانَ الْجُرْحُ فِيهِ الْقِصَاصُ حُبِسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ بَرِئَ لَمْ يُحْبَسْ وَيُسْتَوْثَقُ مِنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

الْمَرْأَةُ إذَا حَبَسَتْ زَوْجَهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي: احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي الْحَبْسِ وَلَكِنْ تُحْبَسُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ.

وَنُقِلَ عَنْ قَاضِي لَامِشَ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُهَا فِي وَقْتِ قَضَائِهِ لِمَصْلَحَةٍ رَأَى فِي ذَلِكَ وَهِيَ صِيَانَتُهَا عَنْ الْفُجُورِ.

[فَصْلٌ لَا يُضْرَبُ الْمَدْيُونُ وَلَا يُغَلُّ وَلَا يُقَيَّدُ]

(فَصْلٌ) :

وَفِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ: لَا يُضْرَبُ الْمَدْيُونُ وَلَا يُغَلُّ وَلَا يُقَيَّدُ إلَّا أَنْ يُخَافَ فِرَارُهُ، كَذَا فِي الْمُنْتَقَى.

وَلَا يُخَوَّفُ وَلَا يُجَرَّدُ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً، وَلَا يُؤَاجَرُ، وَلَا يَخْرُجُ لِجُمُعَةٍ وَلَا عِيدٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَلَا عِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَيُحْبَسُ فِي مَوْضِعٍ وَحْشٍ، وَلَا يُبْسَطُ لَهُ فُرُشٌ وَلَا غِطَاءٌ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ. ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ.

وَفِي الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْجِيرَانِ وَأَهْلِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشُورَةِ مَعَهُمْ لِأَجْلِ الدِّينِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُكْثِ مَعَهُ حَتَّى لَا يَسْتَأْنِسَ بِهِمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ جُنَّ الْمَحْبُوسُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا يُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ.

وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: لَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ وَأَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدِمُهُ يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَبْسِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، هَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ

<<  <   >  >>