للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى عِدَّةِ الْوَرَثَةِ لَا بُدَّ

أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَلَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ انْتِقَالَاتِ الْأَمْلَاكِ، وَلَا يَشْهَدُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا فِي عِدَّةِ الْوِرَاثَةِ عَلَى الْبَتِّ، فَلَوْ قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ أَصْلًا عَلَى الْبَتِّ، أَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ كَانَتْ شَهَادَةُ زُورٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَتِّ.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لِلشَّاهِدِ بِنَفْيِ وَارِثٍ غَيْرِهِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ جَمِيعَ عُمْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِنَفْيِ وَارِثٍ آخَرَ شَهَادَةً بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ فَلَا تُقْبَلُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ إنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّاهِدُ إلَّا مَا هُوَ قَاطِعٌ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ حَالَةُ الْأَدَاءِ دَائِمًا عِنْدَ الشَّاهِدِ الظَّنُّ الضَّعِيفُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ.

بَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدْرَكِ عِلْمًا فَقَطْ، فَلَوْ شَهِدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ دَفَعَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْمَبِيعِ مَعَ احْتِمَالِ دَفْعِهِ، وَيَشْهَدُ فِي الْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ لِوَارِثِهِ مَعَ جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ وَرِثَهُ وَشَهِدَ بِالْإِجَارَةِ وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ.

وَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَشَبَهِهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مَا يَبْقَى فِيهِ الْعِلْمُ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الصُّوَرِ.

فَمِنْ ذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ النَّقْلَ فَيَبْقَى الْعِلْمُ عَلَى حَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ النُّطْقِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَذَلِكَ لَا يُرْفَعُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ.

[الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ]

فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنَّ النَّفْيَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ، أَوْ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ، وَقَدْ يُعَرَّى عَنْهُمَا.

فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا بِالْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ لَمْ يُفَارِقْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ بِالنَّفْيِ.

الثَّانِي: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ: أَعْنِي بِالنَّفْيِ مُسْتَنِدًا إلَى الظَّنِّ الْغَالِبِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسُ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ.

وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ عَلَى حَصْرِ الْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ هَذَا، فَمُسْتَنَدُ الشَّاهِدِ الظَّنُّ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ مَقْبُولَةٌ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الثَّالِثُ: مَا عَرَى عَنْهُمَا، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُوَفِّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مَا بَاعَ سِلْعَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا.

(فَرْعٌ) :

الشَّهَادَةُ لَوْ قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَفِيهَا نَفْيٌ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا غُلَامُهُ نَتَجَ عِنْدَهُ، أَوْ هَذِهِ دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَزَلْ مَالِكًا لَهُ هَلْ تُقْبَلُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ قَبُولُهُمَا. كَذَا فِي الْفَتَاوَى.

<<  <   >  >>