للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا وَتَظَاهَرَتْ الشَّكِيَّةُ عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَأَقَرَّ بِهِمْ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْهُ وَالْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَزَلَهُ.

وَإِنْ كَتَبَ الْأَمِيرُ إلَى نَاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ فَفَعَلُوا فَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمْ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ كَتَبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَالْأُمَنَاءِ أَنْ يَرْفَعُوا إلَيْهِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ هُوَ مُنَفِّذَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ.

وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا مَعَهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُوا وَيَحْكُمُ بِأَفْضَلِ مَا يَرَاهُ مَعَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِاَلَّذِي رَآهُ مَعَ بَعْضِ مَنْ جَلَسَ مَعَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لَازِمًا لِمَنْ حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَنْ أُمِرَ بِالنَّظَرِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا مَعَهُ وَقَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ عَلَى مِثْلِ مَا اُشْتُكِيَ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بِذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ وَرَأْيِ الْقَوْمِ إلَى الْأَمِينِ، فَيَكُونُ هُوَ الْآمِرَ بِاَلَّذِي يَرَاهُ أَوْ الْحُكْمُ فِيهِ دُونَهُمْ.

[فَصْلٌ قِيَام الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِطَلَبِ فَسْخِ الْحُكْمِ عَنْهُ]

(فَصْلٌ) :

فِي قِيَامِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِطَلَبِ فَسْخِ الْحُكْمِ عَنْهُ

وَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: إنْ كَانَ قِيَامُهُ عَلَى الْقَاضِي الْعَالِمِ الْعَدْلِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ.

الثَّانِي: إنْ كَانَ لِمَا اتَّصَفَ بِهِ الْقَاضِي مِنْ جَهْلٍ أَوْ جَوْرٍ أَوْ نِسْبَةِ الْمُدَّعِي إلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ.

الثَّالِثُ: إنْ كَانَ قِيَامُهُ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَجَبَ الْفَسْخُ.

الرَّابِعُ: أَنْ يَأْتِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ اسْتِحْلَافِ خَصْمِهِ فَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَفِيهَا خِلَافٌ، فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ كِتَابِ النُّتَفِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ.

الْخَامِسُ: أَنْ يُنْسَبَ الْقَاضِي إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْكَشْفِ عَنْ الشُّهُودِ وَيَأْتِيَ بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَثْبَتَ تَقَدُّمَ جَرْحِهِ تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِفِسْقٍ نُقِضَ، وَكَذَا إنْ أَثْبَتَ عَدَاوَةً تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فِي رِوَايَةٍ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ اُنْتُقِضَ وَلَزِمَ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْمَالِ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ.

السَّادِسُ: أَنْ يُنْكِرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْخِصَامَ عِنْدَ الْقَاضِي.

وَقَالَ الْقَاضِي: كُنْتَ خَاصَمْت عِنْدِي وَأَعْذَرْت إلَيْك فَلَمْ تَأْتِ بِحُجَّةٍ وَحَكَمْتُ عَلَيْك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي إنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى وِلَايَتِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ.

السَّابِعُ: أَنْ تُنْكِرَ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ شَهِدَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَهُ، وَلَوْ نَازَعَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَطَعَنَ فِي حُكْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِي حُكْمِهِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَظْهَرَ فِي السِّجِلِّ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ حَكَمْتُ بَعْدَ مَا شَهِدَ عِنْدِي شُهُودٌ عُدُولٌ فَقَبِلْتهمْ " اُنْظُرْ الْمُحِيطَ " فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.

الثَّامِنُ: أَنْ يَقُولَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: كُنْتُ أَغْفَلْت حُجَّةَ كَذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ.

التَّاسِعُ: إذَا قَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهَا بِمَا هُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ نُقِضَ، وَإِنْ حَكَمَ فِيهَا بِمَا هِيَ قَابِلَةٌ لَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَمْ يُنْقَضْ.

الْعَاشِرُ: إذَا قَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى عَلَيْهِ بِقَوْلٍ مَهْجُورٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ فِي مَحِلٍّ فِيهِ قَوْلٌ مَهْجُورٌ لَا يَنْفُذُ وَيُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَهْجُورَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُمْهُورِ، وَقَوْلُهُ يَكُونُ خِلَافًا لَا اخْتِلَافًا، فَمَنْ قَضَى بِقَوْلِهِ كَانَ قَاضِيًا فِي مَحِلِّ الْخِلَافِ وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ لَا فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَكَانَ بَاطِلًا، مِثَالُهُ: إذَا كَانَ الْقَوَدُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَعَفَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْقَوَدِ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ قَاضٍ وَقَضَى بِالْقَوَدِ لِلرَّجُلِ وَقَالَ: لَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: إذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ قَدْ رَجَعُوا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِقَوْلِ عُدُولٍ، وَدَعْوَى الشُّهُودِ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَذِبِ اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ وَالْفَاسِقُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ

<<  <   >  >>