للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالسَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي جَرِّحْ شُهُودَكَ وَلَكِنْ يَقُولُ: زِدْنِي فِي شُهُودِكَ، أَوْ يَقُولُ: لَمْ تُحْمَدْ شُهُودُكَ عِنْدِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْ الشُّهُودِ عَرَفَهُ بِعَدَالَةٍ لَا يُمْسِكُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا فِيهِ إذَا كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَدَّلَهُ رُبَّمَا يَقْضِي بِجَوْرٍ أَوْ جَهْلٍ، وَإِنْ عَرَفَهُ بِفِسْقٍ وَمَجَانَةٍ إنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْبِرْ الْقَاضِيَ بِمَا فِيهِ أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ أَمْسَكَ عَنْ هَتْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْبِرْ هُوَ يَعْدِلُهُ غَيْرُهُ فَيَقْضِي بِهِ الْقَاضِي لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْسِكَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِمَا فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ ثَبَتَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا لَا يَشْتَغِلُ بِتَعْدِيلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَشْتَغِلُ بِهِ.

وَفِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ نَاقِلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ: شَاهِدَا رَدِّ الظِّنَّةِ، وَشَاهِدَا تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ، وَشَاهِدَا الْغُرْبَةِ، وَشَاهِدَا الْأَشْخَاصِ بِأَنْ اسْتَعْدَى عَلَى الرَّجُلِ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَبْعَثَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَيَأْتِيَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ اشْتَغَلَ بِتَعْدِيلِ شُهُودِ الْغُرْبَةِ أَوْ الْأَشْخَاصِ لَانْقَطَعَ الْمُسَافِرُ عَنْ الرُّفْقَةِ وَلَهَرَبَ الْخَصْمُ فَلَا يُفِيدُ.

وَشَاهِدَيْ رَدِّ الظِّنَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ: إذَا سَأَلَهُ عَنْ شَاهِدَيْ رَدِّ الظِّنَّةِ وَالْأَشْخَاصِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا إلْزَامَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَفِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْغَرِيبِ وَتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلْزَامُ شَيْءٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِيمَنْ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ]

(فَصْلٌ) :

قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: كَمْ مِنْ رَجُلٍ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَلَا أَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْسِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا سَمِعَ وَلَا يُحْسِنُ التَّعْدِيلَ، وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِرَحِمِهِ أَرَادَ بِهِ تَعْدِيلَ السِّرِّ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ السِّرِّ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ، إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ، وَهَؤُلَاءِ فِي الْإِخْبَارِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَغَيْرِهِ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً بَرْزَةً تُخَالِطُ النَّاسَ وَتُعَامِلُهُمْ؛ لِأَنَّ لَهَا خِبْرَةً بِأُمُورِهِمْ، فَيُفِيدُ السُّؤَالُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ خُصُوصًا فِي تَعْدِيلِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا النِّسَاءُ حَقِيقَةً، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً لَا تَبْرُزُ وَلَيْسَ لَهَا خِبْرَةٌ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُهَا مُعْتَبَرًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَتَزْكِيَةُ السِّرِّ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا عَدَلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ شُهُودَ الْمُدَّعِي إنْ قَالَ: صَدَقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، أَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ فِي شَهَادَتِهِمْ. يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ بِإِقْرَارِهِ لَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ. وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْدِيلُ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْجُحُودِ ظَالِمٌ وَكَاذِبٌ فَلَا تَصِحُّ تَزْكِيَتُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّزْكِيَةِ: وَيَجُوزُ تَعْدِيلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْدِيلِ الْمُزَكَّى، وَإِقْرَارُهُ بِكَوْنِ الشَّاهِدِ عَدْلًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا عَرَفَ الْقَاضِي أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ بِالْعَدَالَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ الْآخَرَ فَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، هَلْ تُقْبَلُ؟ قِيلَ: تُقْبَلُ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ.

<<  <   >  >>