للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَجَّرُ]

فَصْلٌ) :

الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَجَّرُ، وَالْمُسْتَأْجَرُ يُؤَجَّرُ وَيُعَارُ، وَالْعَارِيَّةُ تُعَارُ وَلَا تُؤَجَّرُ.

قِيلَ يُودَعُ الْمُسْتَأْجَرُ وَالْعَارِيَّةُ؛ إذْ يَصِحُّ إعَارَتُهَا، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْإِيدَاعِ الْمُفْرَدِ؛ إذْ هُوَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ بِلَا انْتِفَاعٍ فَيَصِحُّ الْإِذْنُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ لَا يَدْخُلُ حِرْزَهُ، وَإِنَّمَا جَازَ إعَارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ وَالْمُؤَجِّرَ لِإِطْلَاقِ الْإِذْنِ بِالِانْتِفَاعِ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِذْنِ مَعْدُومٌ فِي الْإِيدَاعِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْحَجْرِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَعَارَ فَقَدْ أَوْدَعَ.

قُلْنَا: الْإِيدَاعُ فِيهِ ضِمْنِيٌّ لَا قَصْدِيٌّ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ تَبَعًا مَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَيَثْبُتُ تَضْمِينًا مَا يَبْطُلُ تَصْرِيحًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ حَمْلِ الْأَمَةِ صَحَّ تَبَعًا لَا وَحْدَهُ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ.

[فَصْلٌ فِي إعَارَةِ الدَّوَابِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

(فَصْلٌ) :

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيُشَيِّعَ جِنَازَةً، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ لِيُصَلِّيَ وَصَارَ الْحِفْظُ بِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُسْتَثْنًى.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: نَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَمْسَكَهَا فَانْفَلَتَتْ لَمْ يَضْمَنْ، دَلَّ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ لَا يُغَيِّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ: دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ لِيُمْسِكَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ ضَمِنَ لَوْ شَرَطَ رُكُوبَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: نَزَلَ فِي السِّكَّةِ عَنْ دَابَّةٍ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ عَنْهَا ضَمِنَ.

مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ضَمِنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتَى.

قَالَ فِي شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ: لِأَنَّهُ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ ضَيَّعَهَا لَوْ غَيَّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ سُرِقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: نَزَلَ عَنْهَا فِي صَحْرَاءَ يُصَلِّي فَأَمْسَكَهَا فَانْفَلَتَتْ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَمْ يُضَيِّعْهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ وَتَرَكَهَا فِي السِّكَّةِ ضَمِنَ رَبَطَهَا أَوْ لَا؛ إذْ غَيَّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ، فَلَوْ تَصَوَّرَ أَنْ يَدْخُلَ مَسْجِدًا أَوْ بَيْتًا وَالدَّابَّةُ لَمْ تَغِبْ عَنْ بَصَرِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَبِهِ يُفْتَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي كِتَابِ الْخُلَاصَةِ لِلْمُفْتِي: سَلَّمَهَا إلَى رَجُلٍ لِيُسَلِّمَهَا إلَى رَبِّهَا ضَمِنَ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا لَوْ شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَلَا ضَمَانَ؛ إذْ الْعَارِيَّةُ تُودَعُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

اسْتَعْمَلَ ثَوْرًا وَفَرَغَ وَلَمْ يَحِلَّ حَبْلَهُ فَذَهَبَ إلَى الْمَرْجِ فَاخْتَنَقَ بِهِ ضَمِنَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

رَبَطَ حِمَارَ الْعَارِيَّةِ بِحَبْلٍ فَاخْتَنَقَ لَمْ يَضْمَنْ.

[فَصْلٌ فِي إجَارَةِ الدَّوَابِّ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ]

(فَصْلٌ) :

لِمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةِ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ وَيُودِعَ، اسْتَأْجَرَ حِمَارًا مِنْ كش إلَى بُخَارَى فَعَيِيَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ وَمَالِكُهُ كَانَ بِبُخَارَى فَأَمَرَ الْمُكْتَرِي رَجُلًا لِيُنْفِقَ عَلَى الْحِمَارِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا وَسَمَّى لَهُ الْأَجْرَ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ مَالِكُهُ، فَأَمْسَكَ الْأَجِيرُ الْحِمَارَ أَيَّامًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَالُوا: لَوْ اكْتَرَاهُ لِرُكُوبِ نَفْسِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ اكْتَرَاهُ وَلَمْ يُسَمِّ الرَّاكِبَ بَرِئَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اكْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَ فَلَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ الرَّاكِبُ كَانَ لَهُ الْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ فَلَهُ الْإِيدَاعُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي الْعُدَّةِ: اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بُخَارَى فَعَيِيَ فَتَرَكَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَانَ مَالِكُ الْحِمَارِ مَعَ الْحِمَارِ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكُ الْمَتَاعِ مَعَهُ فَمَرِضَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَ الْحِمَارَ وَالْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ،

<<  <   >  >>