وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكِتَابَةِ الْوَثَائِقِ.
الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ.
الْفَصْلُ السَّابِعُ: فِيمَا يُحْدِثُهُ الشَّاهِدُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ فَتَبْطُلُ.
الْفَصْلُ الثَّامِنُ: فِي صِفَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَاللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ أَدَاؤُهَا.
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي التَّعْرِيفِ بِحَقِيقَتِهَا وَمَوْضُوعِهَا شَرْعًا] اعْلَمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ، وَسَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّهُودَ بَيِّنَةً؛ لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ، لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ نَصْرِ الْخُويِيُّ فِي كِتَابِ الْحِسْبَةِ.
وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَلَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مُرَادًا بِهَا الشُّهُودُ. وَإِنَّمَا أَتَتْ مُرَادًا بِهَا الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً، وَلَمَّا كَانَتْ الْبَيِّنَاتُ مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ الْحُقُوقِ الْمَشْهُودِ فِيهَا وَالْمُحْتَاجِ إلَى إقَامَتِهَا وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالتَّضْيِيقِ وَالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ وَإِمْكَانِ التَّوَثُّقِ وَتَعَذُّرِهِ وَاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ احْتَجْنَا إلَى ذِكْرِهَا وَعَدَدِ أَنْوَاعِهَا وَتَمْثِيلِ مَسَائِلِهَا.
فَأَمَّا؛ أَنْوَاعُهَا فَثَلَاثَةٌ: شَهَادَةُ الْفَرْدِ، وَشَهَادَةُ الْمُثَنَّى
وَشَهَادَةُ الْأَرْبَعِ، وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَقْسَامِ مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ]
وَلَا يَصِحُّ لِشَاهِدٍ شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ إذْ لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِمَا عُلِمَ وَقُطِعَ بِمَعْرِفَتِهِ لَا بِمَا شُكَّ فِيهِ وَلَا بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا) وَقَدْ يَلْحَقُ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِالْيَقِينِ لِلضَّرُورَةِ فِي مَوَاضِعَ يَأْتِي ذِكْرُهَا، كَالشَّهَادَةِ فِي التَّفْلِيسِ وَحَصْرِ الْوَرَثَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَالْعِلْمُ يُدْرَكُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ.
الْأَوَّلُ: الْعَقْلُ بِانْفِرَادِهِ، فَإِنَّهُ يُدْرِكُ بِهِ بَعْضَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ مِثْلَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَيَعْلَمُ بِهِ حَالَ نَفْسِهِ مِنْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ وَإِيمَانِهِ وَكُفْرِهِ، وَتَصِحُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: الْعَقْلُ مَعَ الْحَوَاسِّ، حَاسَّةِ السَّمْعِ وَحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَحَاسَّةِ الشَّمِّ وَحَاسَّةِ الذَّوْقِ وَحَاسَّةِ اللَّمْسِ، فَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسَّةِ السَّمْعِ الْكَلَامَ، وَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسَّةِ الْبَصَرِ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْمُبْصَرَاتِ، وَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسَّةِ الذَّوْقِ جَمِيعَ الطُّعُومِ وَالْمَذُوقَاتِ، وَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسَّةِ اللَّمْسِ جَمِيعَ الْمَلْمُوسَاتِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا.
الثَّالِثُ: حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ بِالْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَدُعَائِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ، وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ الصَّحِيحَةُ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَوْعَبْت ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ.
الرَّابِعُ: الْعِلْمُ الْمُدْرَكُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ بِمَا عُلِمَ مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْحُكَمَاءِ فِي قِدَمِ الْعُيُوبِ وَحُدُوثِهَا، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي قِدَمِ الضَّرَرِ وَحُدُوثِهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى شَهَادَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلنَّبِيِّينَ عَلَى أُمَمِهِمْ بِالْإِبْلَاغِ، وَشَهَادَةُ الْمُؤْمِنِ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ جِهَاتِ النَّظَرِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حَدِّ الشَّهَادَةِ وَحُكْمِهَا وَحِكْمَتِهَا وَمَا تَجِبُ فِيهِ]
أَمَّا حَدُّ الشَّهَادَةِ فَهُوَ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ، وَبِقَيْدِ التَّعْيِينِ يُفَارِقُ الرِّوَايَةَ.
وَفِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ: الشَّهَادَةُ: الْخَبَرُ بِمَا شَهِدَ سُمِّيَ شَهَادَةً؛ لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الْبَيَانُ وَالْإِظْهَارُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى يَظْهَرُ عِنْدَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشَّهَادَةِ لَكِنْ يَظْهَرُ.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَلَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ تَحَمُّلٍ، وَحَالَةُ أَدَاءً كَمَا سَنُبَيِّنُ وَيَجِبُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ شَرْطَهَا يَتَنَوَّعُ إلَى شَرْطٍ أَصْلِيٍّ وَشَرْطٍ زَائِدٍ، وَنَعْنِي بِالْأَصْلِيِّ شَرْطَ الْوُجُودِ وَهُوَ صُدُورُ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحِلِّ لِأَنَّ قِيَامَ ذَاتِ التَّصَرُّفِ بِالْأَصْلِ وَقِيَامَ حُكْمِهِ بِالْمَحِلِّ.
فَإِذَا وُجِدَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يَقُومُ بِذَاتِهِ، وَحُكْمُهُ يُوجَدُ بِذَاتِهِ، وَحُكْمُهُ