أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ لِلرِّجَالِ النَّظَرُ إلَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ تُقْبَلُ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ.
وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَزِيدَ حُرَّةً عَدْلَةً، وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، فَإِنْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ فَلَا خُصُومَةَ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ لِيُخَاصِمَ، وَإِنْ أَخْبَرَتْ بِالْعِلْمِ فَلَا يُرَدُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا؛ إذْ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا لَيْسَ بِمُلْزِمٍ لَكِنْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَيُرَدُّ لَوْ نَكَلَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُرَدُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا لَا بَعْدَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى إدْخَالِهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ. مُقْتَضَبٌ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي إرْسَالِ الْهَدِيَّةِ وَيَجُوزُ قَبُولُهَا وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَكْلِ بِقَوْلِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَالْهَجْمِ عَلَى الْعِيَالِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ مَا ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَكَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَوَجَبَ تَحْلِيفُهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ الثُّيُوبَةَ لَا الْوُصُولَ.
وَفِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُضَمُّ إلَيْهِ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَصِيرُ مُتَوَاتِرًا بِاشْتِرَاطِ هَذَا الْعَدَدِ، كَذَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِي لِلْوَقَايَةِ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِغْنَاءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ.
[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ]
، وَبَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا إجَابَةُ دَعْوَةِ الْحَاكِمِ، وَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْإِجَابَةُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ إلَى الْمُدَّعِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ وَلَكِنَّهُ تُرَدُّ الْيَمِينُ إلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ يَأْخُذُ الْمَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى رُجْحَانِ الْكَذِبِ فِي إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي إنْكَارِهِ لَأَقْدَمَ عَلَى الْحَلِفِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَحْلِفْ يَفُوتُ مَالُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا يُقْضَى بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، وَعِنْدَهُ تُنْقَلُ الْيَمِينُ إلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ غَالِبًا فَيَقْضِي لَهُ بِالْمَالِ، وَهَذَا صَارِفٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ النُّكُولِ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّ حُبَّ الْمَالِ يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيَحْلِفُ صِيَانَةً لِلْمَالِ، فَكَيْفَ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ، فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَظَهَرَ كَوْنُهُ مُبْطِلًا وَكَوْنُ الْمُدَّعِي لَا يَخْفَى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي تَمْكِينُ الْمُدَّعِي مِنْ أَخْذِ الْمَالِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهُ.