للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَصْلًا.

أَمَّا لَوْ ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا وَالْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا وَبَرْهَنَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لِلْأَسْبَقِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَيُقْضَى بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ لَا يُقْضَى بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، وَمَنْ يُنَازِعُهُ لَمْ يَتَلَقَّ الْمِلْكَ مِنْهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ.

وَلَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ وَيُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَجُعِلَ مُقَارَنًا؛ رِعَايَةً لِلِاحْتِمَالَيْنِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُؤَرِّخِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقِينًا، وَمَنْ لَمْ يُؤَرِّخْ يُثْبِتُ لِلْحَالِ يَقِينًا، وَفِي ثُبُوتِهِ فِي وَقْتِ تَارِيخِ صَاحِبِهِ شَكٌّ فَلَا يُعَارِضُهُ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُقْضَى لِمَنْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ، وَدَعْوَى الْمُؤَرِّخِ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ التَّارِيخِ، وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَتُسْتَحَقُّ الزَّوَائِدُ الْمُتَّصِلَةُ وَالْمُنْفَصِلَةُ فَكَانَ الْمُطْلَقُ أَسْبَقَ تَارِيخًا فَكَانَ أَوْلَى، هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ثَالِثٍ.

فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالْيَدِ وَلَمْ تَنْحَطَّ حَالُهُ عَنْ حَالِ الْآخَرِ بِالْيَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَرَّخَا سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهُوَ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهَؤُلَاءِ سَبَقَهُمَا لِمَا مَرَّ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْوَقْتِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَاسْتَوَى التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَيُقْضَى لِلْخَارِجِ.

وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الدَّفْعِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ، فَصَارَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِذِكْرِ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةً دَفْعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ التَّلَقِّي مِنْ قِبَلِهِ وَبَيِّنَتُهُ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ، هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا، فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَقْدَمُ مِنْ الْمُطْلِقِ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا شِرَاءَهُ مِنْ وَاحِدٍ وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ كَانَ الْمُؤَرِّخُ أَوْلَى.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يُقْضَى لِلْخَارِجِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الدَّفْعِ، وَهُنَا وَقَعَ الِاحْتِمَالُ فِي مَعْنَى الدَّفْعِ؛ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي وُجُوبِ التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ لِجَوَازِ أَنَّ شُهُودَ الْخَارِجِ لَوْ وَقَّتُوا لَكَانَ أَقْدَمَ، فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ فَلَا يُقْبَلُ مَعَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِرْثَ مِنْ أَبِيهِ فَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاءٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ لِأَسْبَقِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي الْإِرْثِ وَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا قُلْنَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ فِي الْإِرْثِ فَيُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ الْمِلْكَ لِأَنْفُسِهِمَا ابْتِدَاءً بَلْ لِمُوَرِّثِهِمَا ثُمَّ يَجُرَّانِهِ إلَى أَنْفُسِهِمَا، وَلَا تَارِيخَ لِمِلْكِ الْمُوَرَّثَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُوَرَّثَانِ وَبَرْهَنَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِمِلْكِ الْمُوَرَّثَيْنِ تَارِيخٌ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا.

وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ.

وَقِيلَ: يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاءٌ، يُقْضَى لِلْخَارِجِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ لِأَسْبَقِهِمَا.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ هُنَا وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ فَهُوَ لِلْخَارِجِ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُؤَرِّخِ.

وَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاءٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا

<<  <   >  >>