للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهَلَاكِهِ، وَبَعْضُ النَّاسِ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَيَنْقُضُهُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ.

قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ: اُتُّفِقَ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

فِي الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا، ثُمَّ يُنْظَرُ، إنْ ذَكَرَ الشَّرْطَ فِيهِ يَفْسُدُ، وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاعَدَةِ وَعَقَدَاهُ خَالِيًا عَنْ الشَّرْطِ يَصِحُّ الْعَقْدَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

عَنْ فَتَاوَى النَّسَفِيِّ قَالَ: الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ رَهْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَأَتْلَفَ مِنْ شَجَرِهِ، وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لَوْ بَقِيَ لَا تُضْمَنُ الزِّيَادَةُ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ سَمَّيَاهُ الْبَيْعَ وَلَكِنَّ غَرَضَهُمَا الرَّهْنُ وَالِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ؛ إذْ الْعَاقِدُ يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ هَذَا الْعَقْدِ رَهَنْتُ مِلْكِي فُلَانًا وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ ارْتَهَنْتُ مِلْكَ فُلَانٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي، فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ كَفَالَةٌ، وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ حَوَالَةٌ، وَهِبَةُ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ مَعَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ نِكَاحٌ، وَالِاسْتِبْضَاعُ الْفَاسِدُ إذَا ضُرِبَ فِيهِ الْأَجَلُ سَلَمَ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ: قُلْتُ لِلْإِمَامِ الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيِّ: قَدْ فَشَا هَذَا الْبَيْعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَتْوَاكَ أَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ تُجْمِعَ الْأَئِمَّةُ وَتَتَّفِقَ عَلَى هَذَا وَيَظْهَرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ الْيَوْمُ فَتْوَانَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَنْ خَالَفَنَا فَلْيُبْرِزْ وَلْيُقِمْ دَلِيلَهُ، وَقِيلَ هُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ.

وَسُئِلَ عَمَّنْ بَاعَ نِصْفَ كَرْمِهِ مِنْ آخَرَ بَيْعَ وَفَاءٍ وَخَرَجَ هُوَ فِي الصَّيْفِ إلَى كَرْمِهِ بِأَهْلِهِ وَأَخْرَجَ هَذَا الْمُشْتَرِي أَهْلَهُ وَأَدْرَكَتْ الْغَلَّاتُ فَأَخَذَ الْبَائِعُ نِصْفَهَا وَالْمُشْتَرِي نِصْفَهَا، هَلْ لِلْبَائِعِ إذَا تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَأَعْطَاهُ ثَمَنَ مَا شَرَاهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا حَمَلَ مِنْ الْغَلَّاتِ؟ قَالَ: لَوْ أَخَذَ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ لَا لَوْ أَخَذَهُ بِرِضَاهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ هِبَةً مِنْهُ.

قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ، فَإِنَّ رَبَّ الْكَرْمِ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ إلَى كَرْمِهِ فَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِرِضَاهُ وَبِغَيْرِ رِضَاهُ، فَأَمَّا لَوْ شَرَى كُلَّهُ وَقَبَضَهُ وَأَخَذَ غَلَّاتِهِ، وَالْأَخْذُ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَهْنٌ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْكُلَ غَلَّةَ الرَّاهِنِ، فَإِذَا أَكَلَهَا ضَمِنَهَا فَأَفْتَيْنَا بِالضَّمَانِ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِذَلِكَ. مِنْ مَجْمَعِ النَّوَازِلِ.

قَالَ النَّسَفِيُّ: اتَّفَقَ مَشَايِخُ زَمَانِنَا عَلَى صِحَّتِهِ بَيْعًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُمَا تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرِ شَرْطٍ فِيهِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَلْفُوظِ أَيْضًا دُونَ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا صَحَّ الْعَقْدُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

مُسْتَفْتٍ قَالَ لِلنَّسَفِيِّ: بِعْتُ حَانُوتًا بِأَرْبَعِمِائَةٍ طَلَبَ الْمُشْتَرِي إقَالَةَ الْبَيْعِ وَرَدَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ يَقُولُ: بِعْتَنِي بَيْعَ الْوَفَاءِ، وَأَنَا أَقُولُ لَهُ: بِعْتُكَ بَاتًّا، فَأَجَابَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُكَ، فَقَالَ السَّائِلُ: لَوْ حَلَّفَنِي عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَسَعُنِي أَنْ أَحْلِفَ وَكَانَ نِيَّتِي أَنْ آخُذَ الْحَانُوتَ مِنْهُ وَأَرُدَّ الثَّمَنَ إلَيْهِ بَعْدَ زَمَانٍ، وَكَانَ قَصْدُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ لَا أَنِّي لَا أَقْدِرُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ أَنْقُدَ الثَّمَنَ.

أَجَابَ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَمَا كَانَ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِبْرَةَ لِذَلِكَ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ الْعَقْدِ سِوَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَك أَنْ تَحْلِفَ أَنَّكَ بِعْتَهُ بَيْعًا بَاتًّا، فَدَلَّ هَذَا أَنْ الْعِبْرَةَ لِلْمَلْفُوظِ وَقَدْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا الرَّهْنِ، فَاعْتِبَارُهُ بَيْعًا أَوْلَى، إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ فَالْبَائِعُ يُعَمِّرُهُ وَيُؤَدِّي خَرَاجَهُ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لَا جَبْرًا، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ فَكَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَيُجْعَلُ الْبَيْعُ بَاتًّا وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ طَلَبِ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، فَإِنْ انْتَقَضَ

<<  <   >  >>