للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِجَرِيرَةِ غَيْرِهِ.

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ ثَقِيفًا كَانَتْ حُلَفَاءَ لِبَنِي غِفَارٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ لَهُ، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ بِمَ أَخَذْتَنِي وَأَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحُجَّاجِ، فَقَالَ: أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ كَانُوا أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِهِ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ، فَفَدَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ لِنَفْسِهِ» .

ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى -: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٢] وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَجْلَى يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ غَيْرَ الْحَلَقَةِ وَالسِّلَاحِ كَانَ لِأَبِي الْحَقِيقِ مَالٌ عَظِيمٌ بَلَغَ مَسْكَ ثَوْرٍ: أَيْ مِلْءَ جِلْدِ ثَوْرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَحُلِيٍّ وَآنِيَةٍ مَصُوغَةٍ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ حَاصَرَ الْحِصْنَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ أَبِي الْحَقِيقِ، فَنَزَلَ فَصَالَحَ عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي الْحِصْنِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا بِذَرَارِيِّهِمْ وَيُخَلُّوا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ، وَعَلَى تَرْكِ الْبَيْضَاءِ وَالصَّفْرَاءِ وَالْكُرَاعِ إلَّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ مِنْكُمْ إنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا، فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ عَمِّ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ: مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ؟ فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ، أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ كِنَانَةَ يَطُوفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَمَّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَأَمَرَ بِهِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدٍ فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ» .

وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِكِنَانَةَ؛ لِأَنَّ الْكَنْزَ كَانَ عِنْدَهُ وَصَاحِبُ الْكَنْزِ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُتِلَ مَعَهُمْ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ ذَكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ السِّيَرِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ «لَمَّا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ وَتَكَلَّمَ النَّاسُ بِهَا اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ زَيْدٌ. أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، أَوْ لَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا، وَهَذَا لَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ. وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النِّسَاءَ لَكَثِيرٌ وَإِنَّكَ لَتَقْدِرُ أَنْ تَسْتَخْلِفَ، وَاسْأَلْ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهَا تُصَدِّقُكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا، فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيٌّ فَضَرَبَهَا شَدِيدًا، وَجَعَلَ يَقُولُ: اُصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَعْجِنُ الْعَجِينَ فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامَ عَنْهُ فَتَأْتِيَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَهُ» .

فَهَذَا مِنْ السِّيَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهَا لِتُقِرَّ بِمَا عِنْدَهَا.

وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ رَجُلًا فَاتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ جَاسُوسٌ لِلْعَدُوِّ، فَعَاقَبُوهُ حَتَّى أَقَرَّ» .

وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُثَبِّطُونَ النَّاسَ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ الْبَيْتَ، فَفَعَلَ طَلْحَةُ ذَلِكَ وَاقْتَحَمَ الضَّحَّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، وَاقْتَحَمَ أَصْحَابُهُ فَأَفْلَتُوا» .

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي جَامِعِ الْخَلَّالِ أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةِ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ

<<  <   >  >>