بن الْعَرَبِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بِالْجَوَازِ فَقَالَ وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَشَمَّتَهُ رَجُلٌ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةٌ وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَرَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِنَّهُ الْأَصَحُّ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَدْ كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا رَدَّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ كُرِهَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا عِنْدَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِمَا وَكَذَا الْحَمْدُ لِلْعَطْسَةِ وَفِي رَدِّ الْمُنْكَرِ بِالْإِشَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالْيَدِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ الْحَدِيثَ
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ انْتَهَى
وَقَدْ حَكَى الْعَيْنِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ بِقَلْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
قُلْتُ وجه الاختلاف أن ها هنا عُمُومَاتٍ مُتَعَارِضَةً فَالنَّهْيُ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ يَعُمُّ كُلَّ كَلَامٍ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ يَعُمُّ السُّكُوتَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَمْرُ بِرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فَأَبْقَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَوَّلَ وَخَصَّصَ الثَّانِيَ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ وَأَبْقَى الثَّانِيَ عَلَى عُمُومِهِ
وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ النَّهْيُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِنْصَاتِ السُّكُوتُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ دُونَ ذكر الله كما اختاره بن خُزَيْمَةَ فَإِذَا سَكَتَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَرَدِّ السَّلَامَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ أَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ سِرًّا أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ عَامِلًا بِكُلِّ مَا ذُكِرَ مِنَ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وَالْأَمْرُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ قُلْتُ إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَأَنْصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجَبِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى
هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ كُلِّ مَا مَنَعُوهُ حَالَةَ