للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - (باب ما جاء في مثل المؤمن القارىء للقرآن)

وغير القارىء قَوْلُهُ (مَثَلُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تَكْرِيرِهِ لَهَا وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ كَفُلَانٍ يَقْرِي الضَّيْفَ وَيَحْمِي الحريم يعطي وَفِي رِوَايَةٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ (كَمَثَلِ الْأُتْرُنْجَةِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَفِيهِ لُغَاتٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأُتْرُجُّ وَالْأُتْرُجَّةُ وَالتُّرُنْجَةُ وَالتُّرُنْجُ مَعْرُوفٌ وَهِيَ أَحْسَنُ الثِّمَارِ الشَّجَرِيَّةِ وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ انْتَهَى

وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بِالْأُتْرُنْجَةِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مَا يُوجَدُ مِنَ الثِّمَارِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَأَجْدَى لِأَسْبَابِ كَثِيرَةٍ جَامِعَةٍ لِلصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا وَالْخَوَاصِّ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا فَمِنْ ذَلِكَ كُبْرُ جِرْمِهَا وَحُسْنُ مَنْظَرِهَا وَطِيبُ مَطْعَمِهَا وَلِينُ مَلْمَسِهَا تَأْخُذُ الْأَبْصَارَ صِبْغَةً وَلَوْنًا فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ تَتُوقُ إِلَيْهَا النَّفْسُ قَبْلَ التَّنَاوُلِ تُفِيدُ آكِلَهَا بَعْدَ الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وهضم وَاشْتِرَاكَ الْحَوَاسِّ الْأَرْبَعِ الْبَصَرُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ وَاللَّمْسُ فِي الِاحْتِظَاءِ بِهَا (وَمَثَلُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) أَيْ وَيَعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّمْثِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ صِرْفٍ لَا يُبْرِزُهُ عَنْ سكنونة إِلَّا تَصْوِيرُهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ تَأْثِيرٌ فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَظَاهِرِهِ وَإِنَّ الْعِبَادَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ النَّصِيبُ الْأَوْفَرُ مِنْ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وهو المؤمن القارىء وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَهُوَ الْمُرَائِي أَوْ بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الذي لا يقرأه وَإِبْرَازُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَصْوِيرُهَا إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهَا وَيُلَائِمُهَا أَقْرَبُ وَلَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ وَالْمُشَبَّهَ بِهَا وَارِدَةٌ عَلَى تَقْسِيمِ الْحَاصِلِ لِأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِقٌ صِرْفٌ أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ وَالْأَوَّلُ إِمَّا مُوَاظِبٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرُ مُوَاظِبٍ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَقِسِ الْأَثْمَارَ الْمُشَبَّهَ بِهَا وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَمْرَيْنِ مَحْسُوسَيْنِ طَعْمٌ وَرِيحٌ وليس بمفرق كما في قوله أمرىء الْقَيْسِ كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>