٦٦ - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ اتِّخَاذِ الْقُصَّةِ)
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ
قَوْلُهُ (خَطَبَ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ آخِرَ قَدَمَةٍ قَدِمَهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَهِيَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا مُعَاوِيَةُ فِي خِلَافَتِهِ (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذْ ذَاكَ فِيهِمْ كَانُوا قَدْ قَلُّوا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَالِبَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَوْمئِذٍ قَدْ مَاتُوا وَكَأَنَّهُ رَأَى جُهَّالَ عَوَامِّهِمْ صَنَعُوا ذَلِكَ
فَأَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ عُلَمَاءَهُمْ وَيُنَبِّهَهُمْ بِمَا تَرَكُوهُ مِنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِذْ ذَاكَ الْإِنْكَارَ إِمَّا لِاعْتِقَادِ عَدَمِ التَّحْرِيمِ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَحَمَلَهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَوْ كَانَ يَخْشَى مِنْ سَطْوَةِ الْأُمَرَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى مَنْ يَسْتَبِدُّ بِالْإِنْكَارِ لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى أُولِي الْأَمْرِ أَوْ كَانُوا مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْخَبَرُ أَصْلًا أَوْ بَلَغَ بَعْضَهُمْ لَكِنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوهُ حَتَّى ذَكَّرَهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ فَكُلُّ هَذِهِ أَعْذَارٌ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا إِذْ ذَاكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ حَضَرَ خُطْبَةَ مُعَاوِيَةَ وَخَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خُطْبَةٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَحْضُرَهُ إِلَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْإِنْكَارِ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ الْحُكْمَ وَأَقَرَّهُ (عَنْ هَذِهِ الْقُصَّةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ وَفِي رِوَايَةٍ كُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ (وَيَقُولُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْهَى وَفَاعِلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَعَلُوهُ كَانَ سَبَبًا لِهَلَاكِهِمْ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ ارْتِكَابِهِمْ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمَنَاهِي
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ وَصْلِ الشَّعْرِ بِشَيْءٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرًا أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِشَعْرِهَا شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَذَهَبَ اللَّيْثُ وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ وَأَمَّا إِذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِغَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ خِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute