للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وما في معناه وبين حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أصلا فإن حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سِيقَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ منه وقدره

قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ رد السنة الصحيحة المحكمة في تقدير نِصَابِ الْمُعَشَّرَاتِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ فَنِصْفُ الْعُشْرِ قَالُوا وَهَذَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَقَدْ عَارَضَهُ الْخَاصُّ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ قَطْعِيَّةٌ كَالْخَاصِّ وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْأَحْوَطُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فَيُقَالُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِلْغَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ فَرْضٌ فِي هَذَا وَفِي هَذَا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَبَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُهُ فَذَكَرَ النَّوْعَيْنِ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُ النِّصَابِ فَسَكَتَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَّنَهُ نَصًّا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنِ النَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْمُجْمَلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي غَايَتُهُ أَنْ يُتَعَلَّقَ فِيهِ بِعُمُومٍ لَمْ يُقْصَدْ وَبَيَانُهُ بِالْخَاصِّ الْمُحْكَمِ الْمُبَيَّنِ كَبَيَانِ سَائِرِ الْعُمُومَاتِ بِمَا يَخُصُّهَا مِنَ النُّصُوصِ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ إِذَا خَصَّصْتُمْ عُمُومَ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ بِالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي النَّصِّ فَهَلَّا خَصَّصْتُمُوهُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلَى الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

فَإِنَّ زَكَاةَ الْخَاصَّةِ لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ فِي مَالٍ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ نِصَابًا كَالْمَوَاشِي وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

وَيُقَالُ أَيْضًا هَلَّا أَوْجَبْتُمُ الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِ كُلِّ مَالٍ وَكَثِيرِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أموالهم صدقة وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ وَبِقَوْلِهِ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا صُفِّحَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَفَائِحَ مِنْ نَارٍ وَهَلَّا كَانَ هَذَا الْعُمُومُ عِنْدَكُمْ مُقَدَّمًا عَلَى أَحَادِيثِ النُّصُبِ الْخَاصَّةِ وَهَلَّا قُلْتُمْ هُنَاكَ تَعَارَضَ مُسْقِطٌ وَمُوجِبٌ فَقَدَّمْنَا الْمُوجِبَ احْتِيَاطًا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ انْتَهَى كلام بن الْقِيَمِ

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الحجج مَا لَفْظُهُ وَلَسْنَا نَأْخُذُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَلَكِنَّنَا نَأْخُذُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ

(وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>