وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنِ الْآيَةِ بِأَوْجُهٍ أَحَدُهَا إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الْآيَةَ أَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ
الثَّانِي أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا مَا سَعَتْ وَمَا سُعِيَ لَهَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ
الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِرُ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى وَسُعِيَ لَهُ قَالَهُ الرَّبِيعُ بْن أَنَسٍ
الرَّابِعُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ فَأَمَّا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا شَاءَ قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ فَضْلٍ
الْخَامِسُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُصُولِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَقْلِ الثَّوَابِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَجٍّ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَبِمَا أَخْرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي فَضَائِلِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وقرأ قل هو الله أحد إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ
وَبِمَا أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا أَخْرَجَ صَاحِبُ الْخِلَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالُوا فِي كل مصر وعصر يجتمعون ويقرأون لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي جُزْءٍ أَلَّفَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ
قُلْتُ قَوْلُهُ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا فِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُنْظَرْ هَلْ يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا أَمْ لَا وَلَيْسَ كُلُّ مَجْمُوعٍ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ ضِعَافٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا
فَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالُوا فِي كُلِّ مِصْرٍ وعصر يجتمعون ويقرأون لِمَوْتَاهُمْ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اجْتِمَاعُهُمْ وَقِرَاءَتُهُمْ لِمَوْتَاهُمْ وَمَنْ يَدَّعِي ثُبُوتَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُخَصَّصُ عُمُومُ الْآيَةِ يَعْنِي آيَةَ لَيْسَ للإنسان إلا ما سعى بِالصَّدَقَةِ مِنَ الْوَلَدِ وَبِالْحَجِّ مِنَ الْوَلَدِ وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا وَبِالْعِتْقِ مِنَ الْوَلَدِ لِمَا وَرَدَ فِي هَذَا كُلِّهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَبِالصَّلَاةِ مِنَ الْوَلَدِ أَيْضًا
لِمَا رَوَى