للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن شهد منكم الشهر فليصمه (حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا) أَيْ فَمَنْ شهد منكم الشهر فليصمه كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ (فَنَسَخَتْهَا) أَيْ فنسخت الثانية والأولى وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تعالى وعلى الذين يطيقونه مَنْسُوخٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عمر أنه قرأ (فدية طعام مساكين) قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ نسخت هذه الاية وعلى الذين يطيقونه الَّتِي بَعْدَهَا فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمِ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ انتهى

وفي صحيح البخاري قال بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حدثنا بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ عَمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ يَعْنِي رواية سلمة وبن عمر وبن أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك بن عَبَّاسٍ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَكِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بالشيخ الكبير ونحوه انتهى

قلت مذهب بن عَبَّاسٍ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ (يُطَوَّقُونَهُ) بصيغة المجهول من التطويق وهي قراءة بن مَسْعُودٍ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (يُطِيقُونَهُ) مِنْ أَطَاقَ يُطِيقُ

رَوَى الْبُخَارِيُّ في صحيحه عن عطاء سمع بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مسكين قال بن عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (يُطَوَّقُونَهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفُ الطَّاءِ مِنْ طُوِّقَ بِضَمِّ أوله بوزن قطع وهذه قراءة بن مَسْعُودٍ أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طريق بن أبي نجيح عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (يُطَوَّقُونَهُ) يُكَلَّفُونَهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ حسن أي يكلفونه إطاقته انتهى

وقال فيه أيضا ورجح بن الْمُنْذِرِ النَّسْخَ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ وَأَنْ تَصُومُوا خير لكم قَالَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ لَمْ يُنَاسَبْ أَنْ يُقَالَ لَهُ (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) مَعَ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي (ويزيد هو بن أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>