قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى على الميت في المسجد) وهو قول بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَكُلِّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ
واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَقَرَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانوا من الصحابة
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَرُدَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْإِنْكَارَ سَلَّمُوا لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ مَا نَسُوهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمُصَلَّى كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلِلْمُصَلَّى حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ فِيهِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ رَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَوُضِعَتِ الْجِنَازَةُ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ وَالْحَقُّ هُوَ الْجَوَازُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورُ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
الثَّانِي أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ
الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَقَدْ جَاءَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وإن أسأتم فلها
الرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصِ الْأَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعْهَا إِلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعِهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ حَسَنٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ
قَالَ بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِرِوَايَةِ الْقُدَمَاءِ عَنْهُ كَابْنِ أبي ذئب وبن جُرَيْجٍ انْتَهَى
ورَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ
وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى عُمَرَ وَلَا عَلَى صُهَيْبٍ فَوَقَعَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ على الميت