للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُدَّ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ

وقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُذَامَةَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوَّلًا مِنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم علمه اللَّهُ بِالْحُكْمِ فَكَذَّبَ الْيَهُودُ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ وتعقبه بن رشد وبن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا تَبَعًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ يُصَرِّحُ بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ

ومِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جُذَامَةَ بِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَضَعْفِ مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ وَالِاضْطِرَابِ

وقَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْدَحُ فِي حَدِيثٍ لَا فِيمَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ والجمع ممكن ورجح بن حَزْمٍ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ جُذَامَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ غَيْرِهَا مُوَافِقَةٌ لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ

قَالَ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ

وتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ صريحا في المنع إذا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طريقي التشبيه أن يكون حراما

وجمع بن الْقَيِّمِ فَقَالَ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلًا وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بِالْوَأْدِ

فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ إِذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدَ حَقِيقَةٍ وَإِنَّمَا وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ

لِأَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنَ الْحَمْلِ فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْدِ

لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَأْدَ ظَاهِرٌ بِالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ

فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا

وهَذَا الْجَمْعُ قَوِيٌّ كَذَا فِي النَّيْلِ

[١١٣٧] قَوْلُهُ (كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْرِيرِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَرَامًا لَمْ يُقَرَّرَا عَلَيْهِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَضَافَ الْحُكْمَ إِلَى زَمَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ

قَالَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ

لِتَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ الْأَحْكَامِ

قَالَ وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ طُرُقٍ تُصَرِّحُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا

قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَزْلِ) فَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ

(وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ تُسْتَأْمَرُ الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ الْأَمَةُ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أحمد وبن ماجه عن

<<  <  ج: ص:  >  >>