للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ

وقَالَ جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة

حكاه بن المنذر عن بن مسعود وبن عمر وبن عباس وطاءوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

قَالَ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ

وأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) ولم يذكر عددا وههنا اعْتِرَاضَاتٌ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَمِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مَذْكُورَةٌ فِي شُرُوحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ

(فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ) لِصِحَّةِ دَلِيلِهِ وَقُوَّتِهِ (وَجُبْنٌ) الْجُبْنُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ فَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِضَمِّهَا

(عَنْهُ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ ذَاهِبٌ (أَنْ يَقُولَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ (شَيْئًا) وَالْمَعْنَى جَبُنَ عَنْ ذَلِكَ الذَّاهِبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ أَوْ ذَلِكَ جُبْنٌ عَنْهُ

والظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَقُولَةُ أَحْمَدَ

وقِيلَ أَنَّهُ مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ

وضَمِيرُ عَنْهُ يَرْجِعُ إِلَى أَحْمَدَ

قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يُحَرِّمُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِلَيْهِ مَيَلَانُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قال في صحيحه باب من قال لارضاع بَعْدَ حَوْلَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى

قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ انْتَهَى

قُلْتُ اسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بإطلاق قوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ

وغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَوَّى مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَخْبَارَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ

وعَائِشَةُ الَّتِي رَوَتْ ذَلِكَ قَدْ اخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ

فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَصْلِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ

ويُعَضِّدُهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئٌ يَقْتَضِي تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالصِّهْرِ أَوْ يُقَالُ مَائِعٌ يَلِجُ الْبَاطِنَ فَيُحَرِّمُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْمَنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وأَيْضًا فَقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>