وَهِيَ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الثَّانِي فَلَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّهُ
وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ فِي النَّجَاسَةِ فَهُمَا نَجِسَانِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِيهِمَا الْغَسْلُ فَإِنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُذْكَرُ الرَّشُّ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْيَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَلْيَنْضَحْ الْغَسْلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فيه بغسل ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ النَّضْحَ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الْغَسْلَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ فَقَالَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ يُرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ فَإِنَّ المراد بالنضح ها هنا الْغَسْلُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الرَّشَّ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ فَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ أَرَادَ اغْسِلِيهِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّضْحَ وَالرَّشَّ يُذْكَرَانِ وَيُرَادُ بِهِمَا الْغَسْلُ وَجَبَ حَمْلُ مَا جَاءَ فِي الْبَابِ مِنَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ عَلَى الْغَسْلِ هَكَذَا أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ الرَّشُّ لَكِنْ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ هُنَاكَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ الْغَسْلُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَمَّا فيما نحن فيه فليس ها هنا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالرَّشِّ أَوْ النضح الغسل بل ها هنا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْغَسْلِ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ فِي جَوَابِ لُبَابَةَ حِينَ قَالَتِ الْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ أَيْضًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلَ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ كَمَا تَرَى فَجَوَابُهُمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ
فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ وَالرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute