للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْرٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ فَيُبَاحُ حِينَئِذٍ لِلْمُرْتَهِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَيَوَانِ حِفْظًا لِحَيَاتِهِ وَلِابْقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَجُعِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ أَوْ بِشُرْبِ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ قَدْرُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَلَفِهِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الظَّفَرِ

كَذَا أَفَادَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي

قُلْتُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ خِلَافُ الظَّاهِرِ

وقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ إِنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يقيد به الشارع

وأما قول بن عبد البر يدل على نسخه حديث بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي جَوَابِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ مُمْكِنٌ وَقَالَ فِي السُّبُلِ أَمَّا النَّسْخُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا إِذْ يُخَصُّ عُمُومُ النَّهْيِ بِالْمَرْهُونَةِ انْتَهَى

وأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ

والْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْأَصْلِ وَتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَتِلْكَ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا مُمْكِنٌ

وأَمَّا قَوْلُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَخْ

فَفِيهِ مَا قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَهُوَ قَوْلُهُ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ النَّفَقَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَحْلِبَهَا وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ

وقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا لَا تَقْتَضِي سِوَاهُ

فَإِنَّ الرَّهْنَ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا محترم فِي نَفْسِهِ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَكَذَلِكَ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ

وقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الرَّهْنَ مَقْبُوضًا بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِهِ فَلَمْ يَرْكَبْهُ وَلَمْ يَحْلِبْهُ ذَهَبَ نَفْعُهُ بَاطِلًا وَإِنْ مَكَّنَ صَاحِبَهُ مِنْ رُكُوبِهِ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ وَتَوْثِيقِهِ وَإِنْ كُلِّفَ صَاحِبُهُ كُلَّ وَقْتٍ أَنْ يَأْتِيَ يَأْخُذُ لَبَنَهُ شَقَّ عَلَيْهِ غَايَةَ الْمَشَقَّةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ كُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ اللَّبَنِ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ لِلرَّاهِنِ شَقَّ عَلَيْهِ

فَكَانَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ وَالْقِيَاسِ وَمَصْلَحَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَيَوَانِ أَنْ يَسْتَوفِيَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُمَا بِالنَّفَقَةِ فَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَتَوفِيرُ الْحَقَّيْنِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ

والْمُرْتَهِنُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَدَّى عَنْهُ وَاجِبًا وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ وَمَنْفَعَةُ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا فَأَخْذُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْدَرَ عَلَى صَاحِبِهَا بَاطِلًا

وَيُلْزَمَ بِعِوَضِ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ قِيلَ للمرتهن لا رجوع لك كان في إِضْرَارٌ بِهِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَكَانَ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ هُوَ الْغَايَةَ الَّتِي مَا فَوْقَهَا فِي الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ والمصلحة شيء يختار

ثم ذكر بن الْقَيِّمِ كَلَامًا حَسَنًا مُفِيدًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْإِعْلَامِ

وقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلْأُصُولِ بِأَنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُصُولِ فَلَا تُرَدُّ إِلَّا بِمُعَارِضٍ أَرْجَحَ منها

<<  <  ج: ص:  >  >>