للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُقْبِلِيِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قِلَّةِ الْجَدْوَى وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ يَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْأَمَانَةِ فَيَكُونُ تَلَفُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ قَبْلَ الرَّدِّ مُقْتَضِيًا لِخُرُوجِ الْأَمِينِ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ التَّلَفُ بِخِيَانَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَلَفٍ لَا يَصِيرُ بِهِ الْأَمِينُ خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا

كَالتَّلَفِ بِأَمْرٍ لَا يُطَاقُ دَفْعُهُ أَوْ بِسَبَبِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ ضَيَاعٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ التَّلَفُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ بَقَاءِ الْأَمَانَةِ

وظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا أَسْلَفْنَا ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ كَلَامَ صَاحِبِ ضَوْءِ النَّهَارِ ثُمَّ تَعَقَّبَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ رَأْيِ الْحَسَنِ لِرِوَايَتِهِ فَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرِّوَايَةِ لَا بِالرَّأْيِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالُوا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعَارِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) قَالَ فِي النَّيْلِ قال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ إِلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا إِلَّا فِيمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَأْدِيَةِ الْأَمَانَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ضَمَانَهَا إِذَا تَلِفَتْ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعَارِيَةِ ضَمَانٌ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ

وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ (إِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ

وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بِلَفْظِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ

ولَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَقَالَ إِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ غَيْرَ مَرْفُوعٍ قَالَ الْحَافِظُ وفِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ كَالْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَمَّا الْوَدِيعُ فَلَا يَضْمَنُ

قِيلَ إِجْمَاعًا إِلَّا لِجِنَايَةٍ مِنْهُ عَلَى الْعَيْنِ وَالْوَجْهِ فِي تَضْمِينِهِ بِالْجِنَايَةِ أَنَّهُ صَارَ بِهَا خَائِنًا

والْخَائِنُ ضَامِنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَالْمُغِلُّ هُوَ الْخَائِنُ وَهَكَذَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ تَعَدٍّ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ

لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْخِيَانَةِ وَأَمَّا الْعَارِيَةُ فَقَدْ ذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعَدٍّ انْتَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>