قَوْلُهُ (فُضِّلْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْضِيلِ (عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ) أَيْ بِسِتِّ خِصَالٍ (أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ) قَالَ الْحَافِظُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ تَقَعُ فِيهِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةُ بِالْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ انتهى
وقال بن رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ مَا لَفْظُهُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عن الفحشاء والمنكر والبغي) قَالَ الْحَسَنُ لَمْ تَتْرُكْ هَذِهِ الْآيَةُ خَيْرًا إِلَّا أَمَرَتْ بِهِ وَلَا شَرًّا إِلَّا نَهَتْ عَنْهُ
وَالثَّانِي مَا هُوَ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْتَشِرٌ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى
(ونصرت بالرعب) زاد أبي أُمَامَةَ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا مَا دُونَهَا فَلَا لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَالظَّاهِرُ اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية منها شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى
(وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ) زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي (وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ مَوْضِعَ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ قَالَ بن التَّيْمِيِّ قِيلَ الْمُرَادُ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا لِأَنَّ عِيسَى كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الداؤدي وَقِيلَ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأُبِيحَ لَهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا نَجَاسَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمُ الصَّلَاةُ فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِعِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَثَبَتَتِ الْخُصُوصِيَّةُ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ البزار من حديث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَحَدٌ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ (وَطَهُورًا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute