عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَذَكَرَهُ انْتَهَى (قَالَ فَفِيهِمَا) أَيْ فَفِي خِدْمَتِهِمَا (فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَةٍ
فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْفَاءُ الْأُولَى جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالثَّانِيَةُ جَزَائِيَّةٌ لِتَضَمُّنِ الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ فَاخْتَصَّ الْمُجَاهِدَةَ فِي خِدْمَةِ الْوَالِدَيْنِ نحو قوله تعالى فإياي فاعبدون أَيْ إِذَا لَمْ يُخْلِصُوا إِلَيَّ الْعِبَادَةَ فِي أَرْضٍ فَأَخْلِصُوهَا فِي غَيْرِهَا
فَحُذِفَ الشَّرْطُ وَعُوِّضَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ الْمُفِيدِ لِلِاخْتِصَاصِ ضِمْنًا وَقَوْلُهُ فَجَاهِدْ جِيءَ بِهِ مُشَاكَلَةً يَعْنِي حَيْثُ قَالَ فَجَاهِدْ فِي مَوْضِعِ فَاخْدُمْهُمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجِهَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ
قَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فينا لنهدينهم سبلنا انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ أَيْ فَفِي الْوَالِدَيْنِ فَجَاهِدْ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ جَاهِدْ وَلَفْظُ جَاهِدِ الْمَذْكُورُ مُفَسِّرٌ لَهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الْجَزَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا وَمَعْنَاهُ خَصِّصْهُمَا بِالْجِهَادِ وَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ ظَاهِرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْجِهَادِ إِيصَالُ الضَّرَرِ لِلْغَيْرِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِيصَالُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ وَهُوَ بَذْلُ المال وتعب البدن فيؤول الْمَعْنَى إِلَى ابْذُلْ مَالَكَ وَأَتْعِبْ بَدَنَكَ فِي رضى وَالِدَيْكَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَيَخْرُجُ بِدُونِ إِذْنِهِمَا فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ وَلَا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا انتهى قوله وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي (وَاسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخٍ) ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute