وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ضَعِيفَانِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ (وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ زِيَادِ بْنِ صَيْفِيٍّ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ
وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ ضَعَّفَهُ أبو حاتم ووثقه بن حِبَّانَ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَتَضْعِيفُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَوْلُهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ انتهى
فتوثيق بن حِبَّانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ مُفَسَّرٌ
وَقَالَ أَبُو حاتم هو شيخ
وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ مِنْ بَقَاءِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ مَرَّةً
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَقَامِهَا
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أحدكم المرأة وهو يخضب بالسواد فليعلم ما أَنَّهُ يَخْضِبُ رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ
قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ
وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّ جَمْعًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من الخلفاء الراشدين في غيرهم قَدِ اخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ وَلَمْ يُنْقَلِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ
فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بكر فعلها بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا وَفِي الْقَامُوسِ قنأ لحيته سودها كفنأها انتهى
وفي المنجد قنأ قنوء الشَّيْءُ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ اللِّحْيَةُ مِنَ الْخِضَابِ اسْوَدَّتْ قَنَأَ قَنْأً وَقَنَّأَ تَقْنِئَةً وَتَقَنْيَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا بِالْخِضَابِ قَنَّأَ الشَّيْءَ حَمَّرَهُ شَدِيدًا انْتَهَى
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا اشتد حُمْرَتُهَا فَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْقَافِ مَعَ النُّونِ مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُهُ قَانِئَةٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُهَا أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ حَتَّى قَنَأَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ وَالْهَمْزَةِ أَيِ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا