للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ (أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَذِنَ بدل رخص وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَمَرَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجُّوا بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ وَلَكِنِ الْآثَارُ إِذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَتْ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهَا مِنَ النَّظَرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهَا انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ

قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِحِلِّ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ مِنْ دُونِ كَرَاهَةٍ هُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي هِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْحِلِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَقَلَ الْحِلَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ من غير استثناء أحد

فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَزَلْ سَلَفُكَ يَأْكُلُونَهُ قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وعطاء وشريح وسعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلْمَانَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمُ بن عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

وَقَالَ الْحَافِظُ وَصَحَّ الْكَرَاهَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ

وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ التَّحْرِيمُ انْتَهَى

وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ لُحُومِ الْخَيْلِ قِيلَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَبُو مَعِينٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ وَالْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى مَنَافِعِهَا وَالْحَكِيمُ لَا يَتْرُكُ الِامْتِنَانَ بِأَعْلَى النِّعَمِ وَيَمْتَنُّ بِأَدْنَاهَا

قَالَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَلَمَّا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ سَكَتَ عَنْهُ فَسُكُوتُهُ دَلَالَةُ رِضَاهُ بِهِ وَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرِّمِ انْتَهَى

وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِثْلُ هَذَا وَقَالَ سَنَدُ حَدِيثِ خَالِدٍ جَيِّدٌ وَلِهَذَا لَمَّا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ انْتَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>