للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رح عَقَدَ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ آنِيَةِ الْمَجُوسِ وَالْمَيْتَةِ

وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتُ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إِلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تجدوا فاغسلوا وكلوا

قال الحافظ قال بن التِّينِ كَذَا تَرْجَمَ وَأَتَى بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَعَلَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ أهل كتاب

وقال بن الْمُنِيرِ تُرْجِمَ لِلْمَجُوسِ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ تَوَقِّيهِمُ النَّجَاسَاتِ

وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ أو حكمه على أحدها بِالْقِيَاسِ عَلَى الْآخَرِ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَجُوسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ

قَالَ الْحَافِظُ وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْصُوصًا عَلَى الْمَجُوسِ فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ فَقَالَ أَنْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبُخُوا فِيهَا

وَفِي لَفْظٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أبي ثعلبة قلت إنا نمر بهذا اليهود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمُ الْحَدِيثَ

وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يُكْثِرُ مِنْهَا الْبُخَارِيُّ فَمَا كَانَ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ يُتَرْجِمُ بِهِ ثُمَّ يُورِدُ فِي الْبَابِ مَا يُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَنَحْوِهِ

وَالْحُكْمُ فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ الْحُكْمِ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ لِكَوْنِهِمْ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا إِشْكَالَ أَوْ لَا تَحِلُّ فَتَكُونُ الْآنِيَةُ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا ذَبَائِحَهُمْ وَيَغْرِفُونَ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ الْمَيْتَةِ

فَأَهْلُ الْكِتَابِ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَبِأَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِيهَا الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَغَيْرَهَا وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا

لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ فَنَغْسِلُهَا وَنَأْكُلُ فِيهَا انْتَهَى

قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إِذَا غُسِلَتْ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهَا إِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا وَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْأَكْلِ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةً لِلنَّجَاسَةِ

كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمُحَجَّمَةِ الْمَغْسُولَةِ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ مُطْلَقُ آنِيَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَإِذَا غُسِلَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِقْذَارٌ وَلَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَرَاهَةِ عَنْ آنِيَتِهِمُ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ انْتَهَى

وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح ومشى بن حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ وَالثَّانِي غَسْلُهَا

وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْغَسْلِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهَا دَالٌّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْغَسْلِ وَالْأَمْرُ بِاجْتِنَابِهَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا كَمَا فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ الْآتِي بَعْدُ فِي الْأَمْرِ بِكَسْرِ الْقُدُورِ التي

<<  <  ج: ص:  >  >>