قَوْلُهُ (مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ امْتُحِنَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ وَجُودِهِنَّ أَوِ ابْتُلِيَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ وَكَذَلِكَ هَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْبَنَاتِ أَوِ الْمُرَادُ مَنِ اتَّصَفَ مِنْهُنَّ بِالْحَاجَةِ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِهِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ إِنَّمَا سَمَّاهُ ابْتِلَاءً لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ الْبَنَاتِ فَجَاءَ الشَّرْعُ بِزَجْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَرَغَّبَ فِي إِبْقَائِهِنَّ وَتَرْكِ قَتْلِهِنَّ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ بِهِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ وَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ هُنَا الِاخْتِبَارَ أَيْ مَنِ اخْتُبِرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ لِيُنْظَرَ مَا يَفْعَلُ أَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ أَوْ يُسِيءُ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بالتقوى فإن من لم يتق الله لايأمن أَنْ يَتَضَجَّرَ بِمَنْ وَكَّلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَوْ يقصر عما أمر بفعله أَوْ لَا يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَتَحْصِيلِ ثَوَابِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ) أَيْ يَكُونُ جَزَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ وِقَايَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَارِ جَهَنَّمَ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَفِيهِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْبَنَاتِ لِمَا فِيهِنَّ مِنَ الضَّعْفِ غَالِبًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِنَّ بِخِلَافِ الذُّكُورِ لِمَا فِيهِمْ مِنْ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَجَزَالَةِ الرَّأْيِ وَإِمْكَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ متروك فتحسين الترمذي له لشواهده
قَوْلُهُ [١٩١٥] (فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فَإِنْ قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ تَمْرَةً إِلَى فِيهَا لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ سِوَى تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَتْهَا ثُمَّ وَجَدَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ انْتَهَى
(فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا) أَيِ التَّمْرَةَ وَلَمْ تَسْتَحْقِرْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مثقال ذرة خيرا يره
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute