التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أَيْ مِقْدَارَ وَزْنِ حَبَّةٍ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمِثْقَالُ فِي الْأَصْلِ مِقْدَارٌ مِنَ الْوَزْنِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَالنَّاسُ يُطْلِقُونَهُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الدِّينَارِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى (مِنْ خَرْدَلٍ) قِيلَ إِنَّهُ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْقِلَّةِ كَمَا جَاءَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّكَبُّرُ عَنِ الْإِيمَانِ فَصَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ حَالَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غل وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِمَا بُعْدٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنِ الْكِبْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ وَدَفْعِ الْحَقِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخَرِّجَيْنِ لَهُ عَنِ الْمَطْلُوبِ بَلِ الظَّاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا دُونَ مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ وَقِيلَ هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ وَقَدْ تَكَرَّمَ بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ كُلُّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّةَ إِمَّا أَوَّلًا وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْدَ تَعْذِيبِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا
وَقِيلَ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّلَ وهلة انتهى (لايدخل النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ إِلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ دُخُولُ الْكُفَّارِ وَهُوَ دُخُولُ الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَذَا في الترغيب وله حديث اخر عند بن ماجة وبن حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينُهُمْ فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّكِ الْجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَإِنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أعذب بك من أشاء ولكليهما على ملؤها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute