للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اعترض بعد الْمَلَاحِدَةِ فَقَالَ الْعَسَلُ مُسَهِّلٌ فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الْإِسْهَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَلْ كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالْعَادَةِ وَالزَّمَانِ وَالْغِذَاءِ الْمَأْلُوفِ وَالتَّدْبِيرِ وَقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْدُثُ مِنْ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْهَيْضَةُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ تُخَمَةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُسَهِّلٍ مُعَيَّنٍ أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّةٌ فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ عَنْ تُخَمَةٍ أَصَابَتْهُ فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ لِدَفْعِ الْفُضُولِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي نَوَاحِي الْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ لِمَا فِي الْعَسَلِ مِنَ الْجَلَاءِ وَدَفْعِ الْفُضُولِ الَّتِي تُصِيبُ الْمَعِدَةَ مِنْ أَخْلَاطٍ لَزِجَةٍ تَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْغِذَاءِ فِيهَا وَلِلْمَعِدَةِ خَمْلٌ كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ فَإِنْ عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاطُ اللَّزِجَةُ أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتِ الْغِذَاءَ الْوَاصِلَ إِلَيْهَا فَكَانَ دَوَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالِ مَا يَجْلُو تِلْكَ الْأَخْلَاطَ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْعَسَلِ لَا سِيَّمَا إِنْ مُزِجَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَإِنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ وَكَمِّيَّةٌ بِحَسَبِ الدَّاءِ إِنْ قَصُرَ عَنْهُ لَمْ يَدْفَعْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَّةَ وَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَرَ فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاءِ فَأَمَرَ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيِهِ فَلَمَّا تَكَرَّرَتِ الشَّرَبَاتُ بِحَسَبِ مَادَّةِ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى

وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ نَافِعٌ وَأَنَّ بَقَاءَ الدَّاءِ لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاءِ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّةِ الْفَاسِدَةِ

فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْبِ الْعَسَلِ لِاسْتِفْرَاغِهَا فَكَانَ كَذَلِكَ وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالطِّبُّ نَوْعَانِ طِبُّ الْيُونَانِ وَهُوَ قِيَاسِيٌّ وَطِبُّ الْعَرَبِ وَالْهِنْدِ وَهُوَ تَجَارُبِيٌّ وَكَانَ أَكْثَرُ مَا يَصِفُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَكُونُ عَلِيلًا عَلَى طَرِيقَةِ طِبِّ الْعَرَبِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ

وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْمِائَةِ فِي الطِّبِّ إِنَّ الْعَسَلَ تَارَةً يَجْرِي سَرِيعًا إِلَى الْعُرُوقِ وَيَنْفُذُ مَعَهُ جُلُّ الْغِذَاءِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ فَيَكُونُ قَابِضًا وَتَارَةً يَبْقَى فِي الْمَعِدَةِ فيهيجها لذعها حَتَّى يَدْفَعَ الطَّعَامَ وَيُسَهِّلَ الْبَطْنَ فَيَكُونَ مُسَهِّلًا فَإِنْكَارُ وَصْفِهِ الْمُسَهِّلِ مُطْلَقًا قُصُورٌ مِنَ الْمُنْكِرِ

وَقَالَ غَيْرُهُ طِبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَيَقَّنُ الْبُرْءِ لِصُدُورِهِ عَنِ الْوَحْيِ وَطِبُّ غَيْرِهِ أَكْثَرُهُ حَدْسٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الشِّفَاءُ عَنْ بَعْضِ مَا يَسْتَعْمِلُ طِبَّ النُّبُوَّةِ وَذَلِكَ لِمَانِعٍ قَامَ بِالْمُسْتَعْمَلِ مِنْ ضَعْفِ اعْتِقَادِ الشِّفَاءِ بِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ

وَأَظْهَرُ الْأَمْثِلَةِ فِي ذلك القران الذي هو سفاء لِمَا فِي الصُّدُورِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ شِفَاءُ صَدْرِهِ لِقُصُورِهِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالتَّلَقِّي بِالْقَبُولِ بَلْ لَا يَزِيدُ الْمُنَافِقَ إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِ وَمَرَضًا إِلَى مَرَضِهِ

فَطِبُّ النُّبُوَّةِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَبْدَانَ الطَّيِّبَةَ

كَمَا أَنَّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْقُلُوبَ الطَّيِّبَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَمْزِ بِوَزْنِ قَرَأَ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُهَا بِكَسْرِ الرَّاءِ بِوَزْنِ عَلِمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصِّدِّيقِ الناجي فِي آخِرِهِ فَسَقَاهُ فَعَافَاهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>