للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفِيضُ) مِنَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْإِسَالَةُ (وَقَالُوا إِنْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَجْزَأَهُ) يعني الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ فَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِ الْمُغْتَسِلُ أَجْزَأَهُ إِذَا أَتَى بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْغُسْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَكِنْ عَمَّ جَسَدَهُ وَرَأْسَهُ وَنَوَاهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عليه بلا خلاف لكنهم مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ

وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح نقل بن بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مَعَ الْغُسْلِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ انْتَهَى كلام الحافظ وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنَّمَا هُوَ غُسْلٌ كُلُّهُ

الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ بدليل قوله تعالى (حتى تغتسلوا) وقوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا) فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ الْمُلْزِمُ وَالْبَيَانُ الْمُكَمِّلُ وَمَا جَاءَ مِنْ بَيَانِ هَيْئَتِهِ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ إِيضَاحًا لِسُنَّةٍ

الثَّالِثُ أَنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ وَمِنْهَا مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إِذْ قَالَتْ لَهُ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تَضْغَثِيهِ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَى جَسَدِكِ الْمَاءَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْعَرَبِيِّ

قُلْتُ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ عندي نظر

أما في الأول فإن ظَاهِرَ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ الْجَمْعُ كَمَا عَرَفْتَ أَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بقوله تعالى (حتى تغتسلوا) هُوَ الِاغْتِسَالُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَاطَّهَرُوا) هُوَ التَّطَهُّرُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَلِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ

هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>