هَذِهِ الْأَيَّامِ كَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ (فِي بَلَدِكُمْ) أَيْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ (هَذَا) وَلَعَلَّ تَرْكَ الشَّهْرِ اقْتِصَارٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ اسْتِبَاحَةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَانْتِهَاكَ حُرْمَتِهَا بِحَالٍ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجِنَايَةُ الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ وَمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ أَوِ الْقِصَاصَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَبَاعِدِهِ فَإِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً لَا يُعَاقَبُ بِهَا الْآخَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تزر وازرة وزر أخرى انْتَهَى (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ قُبْحٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَأْكِيدَ لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَقَارِبَ الشَّخْصِ بِجِنَايَتِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا ظُلْمٌ يُؤَدِّي إِلَى ظُلْمٍ آخَرَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ فَيُوَافِقُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ فإذا لم يؤاخذا بفعله فَغَيْرُهُمَا أَوْلَى
وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيمَةِ أَبِيهِ
وَضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ (أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ) وَهُوَ إِبْلِيسُ الرَّئِيسُ أَوِ الْجِنْسُ الْخَسِيسُ (قَدْ أيس) أي قنط (أن يعبد) قال القارىء أَيْ مِنْ أَنْ يُطَاعَ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ عَبَدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ انْتَهَى
وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يَعُودَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّنَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مِثْلُ أَصْحَابِ مَسْلَمَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَدَّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الصَّنَمَ
وَيُحْتَمَلُ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّينَ مِنْ أُمَّتِي لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَتَبَدَّلَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَيَظْهَرَ الْإِشْرَاكُ وَيَسْتَمِرَّ وَيَصِيرَ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُنَافِيهِ ارْتِدَادُ مَنِ ارتدد بَلْ لَوْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ أَيْضًا لَمْ يَضُرَّ فِي الْمَقْصُودِ فَافْهَمْ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ مَعَ زِيَادَةٍ (فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ) أَيْ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طاعة) أي القياد أَوْ طَاعَةٌ (فِيمَا تُحَقِّرُونَ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مِنَ التَّحْقِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَحْتَقِرُونَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَقْرُ الذِّلَّةُ كَالْحُقْرِيَّةِ بِالضَّمِّ الْحَقَارَةُ مُثَلَّثَةٌ وَالْمَحْقَرَةُ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ وَكَرُمَ وَالْإِذْلَالُ كَالتَّحْقِيرِ وَالِاحْتِقَارِ
وَالِاسْتِحْقَارِ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ انْتَهَى
(مِنْ أَعْمَالِكُمْ) أَيْ دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَتَحْقِيرِ الصَّغَائِرِ (فَسَيَرْضَى) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيِ الشَّيْطَانُ (بِهِ) أَيْ بِالْمُحْتَقِرِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الذَّنْبُ الْأَكْبَرُ وَلِهَذَا تَرَى الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الْمُسْلِمِينَ وقليلا في
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute