للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَادِقًا فَشُقَّ لَنَا الْقَمَرَ فِرْقَتَيْنِ فَسَأَلَ رَبَّهُ فَانْشَقَّ (اشْهَدُوا) أَيْ عَلَى نُبُوَّتِي أَوْ مُعْجِزَتِي مِنَ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ احْضُرُوا وَانْظُرُوا مِنَ الشُّهُودِ

قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَمَرِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ وَرَدَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وحذيفة وجبير بن مطعم وبن عمر وغيرهم

فأما أنس وبن عَبَّاسٍ فَلَمْ يَحْضُرَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان بن عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُولَدْ

وَأَمَّا أَنَسٌ فكان أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَاهَدَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِرُؤْيَتِهِ ذلك بن مَسْعُودٍ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ في ثبوت معجزة انشقاق القمر

قال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْثَالُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْهُمُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَيْنَا

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِاسْتِبْعَادِ مَنِ اسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ عُذْرٌ

وَقَدْ يَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِهِ عَلَى آخَرِينَ وَأَيْضًا فَإِنَّ زَمَنَ الِانْشِقَاقِ لَمْ يَطُلْ وَلَمْ تَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى آفَاقِ مَكَّةَ يَسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَتِ السُّفَّارُ وَأَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ عَايَنُوا ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ فِي اللَّيْلِ غَالِبًا يَكُونُونَ سَائِرِينَ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُوَافِقِينَ لِمُخَالِفِي الْمِلَّةِ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَلَا إِنْكَارَ لِلْعَقْلِ فِيهِ لِأَنَّ الْقَمَرَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ كَمَا يُكَوِّرُهُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَيُفْنِيهِ

وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ وَقَعَ لَجَاءَ مُتَوَاتِرًا وَاشْتَرَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي مَعْرِفَتِهِ وَلَمَا اخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَيْلًا وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ وَقَلَّ مَنْ يُرَاصِدُ السَّمَاءَ إِلَّا النَّادِرَ وَقَدْ يَقَعُ بِالْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْقَمَرُ وَتَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَلَا يُشَاهِدُهَا إِلَّا الْآحَادُ

فَكَذَلِكَ الِانْشِقَاقُ كَانَ آيَةً وَقَعَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوا وَاقْتَرَحُوا فَلَمْ يَتَأَهَّبْ غَيْرُهُمْ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ لَيْلَتَئِذٍ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ الَّتِي تَظْهَرُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْآفَاقِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا يَظْهَرُ الْكُسُوفُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يَكَادُ يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ خَارِجًا مِنْ جُمْلَةِ طِبَاعِ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الطَّبَائِعِ

فَلَيْسَ مِمَّا يُطْمَعُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>