وَمَخَافَتُهُمْ وَمَهَابَتُهُمْ (أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ) أَيْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ أَوْ يَأْمُرَ بِهِ (قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا) أَيْ خِفْنَا مِنْ هَابَهُ يَهَابُهُ أَيْ يَخَافُهُ
وَالْمَعْنَى مَنَعَتْنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ) مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ (لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلِمَ إِعْلَامًا بِسُوءِ حَالِهِ وَقُبْحِ مَآلِهِ (بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَدْرِ (وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمَ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامٍ عَامَّةٍ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ الْمُتَغَلِّبَ الَّذِي يَسْتَوْلِي عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ بِتَأْمِيرِ الْعَامَّةِ وَمُعَاضَدَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنَ الْخَاصَّةِ وَأَهْلِ الْعَقْدِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ وَمَنْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ وَوُجُوهِ النَّاسِ (يُرْكَزُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُغْرَزُ كَمَا فِي رواية (لواءه عِنْدَ اسْتِهِ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مَكْسُورَةٍ الْعَجُزُ أَوْ حلقة الدبر أي ينصب لواءه عِنْدَ اسْتِهِ تَحْقِيرًا لَهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (خُلِقُوا) أَيْ جُبِلُوا عَلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنِ اخْتِيَارِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى) أَيْ مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَوْقَاتِهِمَا
(فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا) أَيْ مِنْ أَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا عَلِمَ اللَّهُ فيه من الأزل أو باعتبار ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ (يَحْيَى) أَيْ يَعِيشُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ حِينِ تَمْيِيزِهِ إِلَى انْتِهَاءِ عُمْرِهِ (مُؤْمِنًا) أَيْ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا (وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) أَيْ وَكَذَلِكَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَابِلِيَّةُ قَبُولِ الْهِدَايَةِ لَوْلَا مَانِعٌ مِنْ بَوَاعِثِ الضَّلَالَةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ الْحَدِيثُ
(وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) فَالْعِبْرَةُ بِالْخَوَاتِيمِ وَكَأَنَّ التَّقْسِيمَ غَالِبِيٌّ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا
وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْخَاتِمَةِ
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ إِجْمَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute