للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ مَا قَدْرُ مُكْثِهِ وَتَوَقُّفِهِ (قال أربعون يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمْعَةِ وَالْجُمْعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كَاضْطِرَامِ السَّعَفَةِ فِي النَّارِ

رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَا وَجْهُ الجمع بينهما قلت قال القارىء لَعَلَّ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سُرْعَةِ الِانْقِضَاءِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ يَوْمٌ كَسَنَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الشِّدَّةَ فِي غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالرِّجَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْمَذْكُورِ وَقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا لَفْظُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِ الْمُكْثَيْنِ مُكْثٌ خَاصٌّ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ مُبَيَّنٍ عِنْدَ الْعَالِمِ بِهِ انْتَهَى

قُلْتُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الْبَغَوِيِّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ (وَلَكِنِ اقْدُرُوا لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ

قَالُوا لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ وَمَعْنَى اقْدُرُوا لَهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ

وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا

وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمْعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقْدَرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى (فَمَا سُرْعَتُهُ فِي الْأَرْضِ) قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَهُ إِسْرَاعًا فِي الْأَرْضِ فَسَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ كَمَا كَانُوا عَالِمِينَ بِلُبْثِهِ فَسَأَلُوا عن كميته بقولهم ما لبثه أي مامدة لُبْثِهِ (قَالَ كَالْغَيْثِ) الْمُرَادُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>