وَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَنْطُوقِ لَكِنَّهُ يُشْعِرُ بِبَاطِلٍ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعَرَبِ غَيْرُ مَبْعُوثٍ إِلَى الْعَجَمِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ وَهُوَ إِنْ قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَاذِبُ الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ شَيْطَانُهُ انْتَهَى
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مسلم فَقَالَ لَا بَلْ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى إِرْخَاءِ الْعِنَانِ أَيْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَتَفَكَّرْ هل أنت منهم انتهى
قال القارىء وَفِيهِ إِبْهَامُ تَجْوِيزِ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مِنَ الرُّسُلِ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ
فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْمَفْهُومِ كَمَا فَعَلَهُ الدَّجَّالُ
فَالْمَعْنَى أَنِّي آمَنْتُ بِرُسُلِهِ وَأَنْتَ لَسْتَ مِنْهُمْ فَلَوْ كُنْتَ مِنْهُمْ لَآمَنْتُ بِكَ
وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْخَاتِمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ بِهِ انْتَهَى
(يَأْتِينِي صَادِقٌ) أَيْ خَبَرٌ صَادِقٌ تَارَةً (وَكَاذِبٌ) أَيْ أُخْرَى
وَقِيلَ حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَا يَقُولُ لَكَ وَمُجْمَلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُحَدِّثُنِي بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ) بصيغة المجهول من التخليط
قال النَّوَوِيُّ أَيْ مَا يَأْتِيكَ بِهِ شَيْطَانُكَ مُخَلَّطٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ تَارَاتٌ يصيب في بعضها ويخطىء فِي بَعْضِهَا فَلِذَلِكَ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ (وَإِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ) أَيْ أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي (خَبِيئًا) أَيِ اسْمًا مُضْمَرًا لَتُخْبِرَنِّي بِهِ (وَهُوَ الدُّخُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدُّخَانِ وَحَكَى صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ فِيهِ فَتْحَ الدَّالِ وَضَمَّهَا وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ضَمُّهَا فَقَطْ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَانُ وَأَنَّهَا لُغَةٌ فِيهِ وَخَالَفَهُمُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ لَا مَعْنَى لِلدُّخَانِ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَبَّأُ فِي كَفٍّ أَوْ كُمٍّ كَمَا قَالَ بَلِ الدُّخُّ بَيْتٌ مَوْجُودٌ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْبَسَاتِينِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَّأْتُ أَضْمَرْتُ لَكَ اسْمَ الدُّخَانِ فَيَجُوزُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْمَرَ لَهُ آيَةَ الدُّخَانِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ كَانَتْ سُورَةُ الدُّخَانِ مَكْتُوبَةً فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَةَ فِي يَدِهِ
قَالَ الْقَاضِي وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي أَضْمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظِ النَّاقِصِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَفُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ