قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ منهُ الشَّهَادَةُ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا تَأْوِيلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهِدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ
وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فَمِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصَايَا الْعَامَّةُ وَالْحُدُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ
فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي وَإِعْلَامُهُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأُقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ وَكَذَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مَنْ عِنْدَهُ شهادة الانسان لا يعلمها أن يعلمه إياها لأنها أَمَانَةٌ لَهُ عِنْدَهُ
وَحَكَى تَأْوِيلًا ثَالِثًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ طَلَبِهَا لَا قَبْلَهُ كَمَا يُقَالُ الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السؤال من غير توقف انتهى (وقال بن أَبِي عَمْرَةَ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عمرة مكان أبي عمرة واسم بن أَبِي عَمْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ (وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ) فِي رِوَايَاتِهِمْ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) أَيْ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ (فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ) كَمَعْنٍ (وروى بعضهم عن بن أَبِي عَمْرَةَ) كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى عِنْدَ مُسْلِمٍ (وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَنَا) أَيْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ مالك بلفظ عن بن أَبِي عَمْرَةَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ (قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ مَنْ روى عن مالك بلفظ عن بن أَبِي عَمْرَةَ فَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ غَيْرَ حَدِيثِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ (وَأَبُو عَمْرَةَ هُوَ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجهني
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute